جدة – البلاد
رحل رجل الاعمال وشيخ مهنة القرطاسية الاستاذ جميل عبدالعزيز مرزا، بعد مشوار حافل بمحطات حياتية ثرية بين التعليم والعمل والفن والتجارة وكتاب ذكريات عن مشواره وتجاربه وهواياته وصداقاته، وقدم صوراً عن حياة الماضي بعبق بساطتها في حوار سابق نشرته مجلة (اليمامة) أعده الزميل توفيق نصر الله .
يقول ابن حارة الشامية جميل مرزا عن الزمن الجميل في مرحلة الطفولة ان الترابط الاجتماعي كان على أشده، حيث يقوم اهل الحارة بزيارة كبيرها لمعايدته، ثم يستبل البيوت المعايدين، حسب اليوم المخصص لكل حارة، ويقدم مرزا اضاءات عن عادات وتقاليد وقيم زمانه.ويروي شيخ القرطاسية ان والده هو اول من اسس تجارة الادوات القرطاسية في المملكة واستخرج لها سجلاً تجارياً، باسم (مرزا) وأخذ اسمها في الانتشار.
وعن الاشياء الجميلة في الماضي ان الآباء كانوا يلحقون الابناء في نشاطهم لمساعدتهم وكان الراحل – يرحمه الله – ضمن هذا المشهد الحياتي حيث يروي انه كان يتوجه الى مكتبتهم الصغيرة بعد صلاة العصر او بعد المغرب لمساعدة والده، وكانت المكتبة الوحيدة في مكة المكرمة وجدة والطائف والمدينة المنورة والرياض، وكيف كانوا يمولون البقالات وغيرها بالادوات القرطاسية البسيطة انذاك مثل الدفتر والرسمة حتى عرفت الاسواق القلم الجاف والسائل.
الحج على جمل
وعن الحج يتذكر الاستاذ جميل كيف كان في الزمن الماضي وانه ادى الفريضة على جمل وجلس على الشقدف وهو عبارة عن كرسيين احدهما يمين والآخر يسر فوق ظهر الجمل وغطاء يحمي من اشعة الشمس، كما كان الحج سيراً على الاقدام، أما السيارات فكان عددها قليل، وكان ايجار الجمل مع صاحبه الذي يقوده (4 ريالات) من مكة الى عرفة ثم مزدلفة حتى مشعر منى وطواف الافاضة.
بين الكتاب والمدرسة
وعن دراسته يقول مرزا انه درس في كتَّاب ابراهيم حلواني وكان يعلم الخط والحساب، وهناك ايضا كتّاب للبنات يدرس فيه نساء، ثم التحق بالمدرسة العزيزية الابتدائية ويتذكر عندما كان ينزل بصعوبة من بيته اعلى الجبل الى المدرسة، وكانت الدراسة على فترتين صباحية ومسائية، ليكمل المرحلتين المتوسطة والثانوية في مدينة جدة، وتقوم الاسرة بافتتاح اول قرطاسية بها.
وعن اصدقاء الطفولة وزملاء الدراسة يتذكر الاستاذ جميل مرزا – رحمه الله – ان عددهم يفوق الخمسين صديقاً ومنهم الاستاذ صالح كامل والدكتور محمد عبده يماني والدكتور محمد عبدالقادر علاقي والمهندس محمد سعيد فارسي ومحمد صالح الجبرين، ويضيف بالعامية (كنا في بشكة واحدة ثم انفصلنا الى بشكتين).
ومن المعلومات الطريفة التي يتذكرها ان عدد خريجي الثانوية العامة – القسم الأدبي – على مستوى المملكة عام 1378هـ كان 79 طالباً، اما القسم العلمي فكان ضعف هذا العدد.
وعن رحلة الابتعاث الى القاهرة عام 1958م – 1378هـ كان مخيراً بين دراسة الفنون او كلية البوليس او التربية الرياضية، لكنه قرر دراسة الفنون لان بنيته الجسدية كانت ضعيفة لا تناسب مشقة البوليس ولا التربية الرياضية، وقبل سفره للبعثة تم تزويجه واصطحب شريكة حياته معه، وكان المهر خمسة الاف ريال.
التخرج والعودة
بعد ان تخرج وحصل على الليسانس في الفنون والتربية عاد الى المملكة وتم تعيينه معلماً في معهد ثانوي لاعداد المعلمين ثم تم تعيينه مفتشاً بمنطقة مكة المكرمة.
ويضيف : فتحنا قسماً بكلية التربية للتربية الفنية وكان تابعاً لليونسكو ثم ضم لجامعة الملك سعود وأحضرنا بعض أساتذتنا في القاهرة للتدريس في هذا القسم ثم فتحنا قسماً آخرَ في كلية التربية بمكة وكانت وقتها شطراً لجامعة الملك عبدالعزيز، وكنت أطلع مع اللجنة كمندوب من وزارة المعارف وساهمت في وضع مناهجه أي مناهج قسم التربية بكلية التربية بجامعة أم القرى .
ومن التعليم الى التجارة والعمل الحر،وعن هذه المرحلة يقول :استقلت لأمسك عمل والدي بعد وفاة أخي أحمد الذي كان يدير عمل المكتبات.
مواقف صعبة
وعن المواقف الصعبة في حياته يقول الأستاذ جميل مرزا : إنها مأساة ، فقبل ثمانية عشر عاماً كان زوج ابنتي يعمل في مصفاة البترول مع الشيخ حسين العامودي في مجال التسويق، وكان قد زار العديد من الدول فقرر هذه المرة أن يقوم برحلة إلى جنوب أفريقيا ويأخذ معه ابنتي وأولادها لكي يسوِّق، وذهبت معهم ابنتي الصغيرة قالت أريد أن أذهب مع أختي، وحصل أن حدث لهم حادث مروع بين دوربن وجوهانسبيرج ومات منهم سبعة اثنتين من بناتي وأحفادي، بناتي هما سحر والعنود وأذيع الخبر عالمياً بأن أسرة سعودية تعرضت لحادث ومات منها سبعة أشخاص ولم يكن لدينا سفارة هناك ولم يكن لدينا طيران يذهب إلى هناك، فعندما علم الملك فهد – رحمه الله – بالخبر أمر بطائرة خاصة تنقلهم إلى المملكة في نفس الليلة فذهبت طائرة للإخلاء الطبي لنقل المصابين وأخرى لنقل الجنائز، وأمر بتحمل جميع المصاريف التي تترتب عليها وكنت وقتها في ينبع، وعندما علمت بالخبر رجعت إلى جدة في ظرف ساعتين أطوي الطريق طياً وفتحنا بيت عزاء واستمر العزاء خمسة عشر يوماً إلى أن وصلت الجثث للمملكة ودفناها في مكة بعد خمسة عشر يوماً من العزاء، وأنا أشكر حكومتنا الرشيدة على هذا الموقف النبيل.
موهبة وهوايات
وعن هواياته يقول: لدي المقدرة على تلاوة القرآن الكريم بترتيل الشيخ عبدالباسط عبدالصمد – رحمه الله – كما أقوم بإلقاء القصائد بالمجسات الحجازية المعروفة، كما أجيد موهبة العزف على آلة العود الوترية ولكن أمارسها فقط بين عائلتي وأحفادي، ولدي موهبة أخرى تتعلق بدراستي وتخصصي فبعد أن أجريت عملية لركبتي اضطررت لاستعمال البسطون – أي العكاز – بعد أن تعرضت لحادث مؤلم انكسرت على إثره ركبتي إلى ثمانية أوصال وبعد أن تعافيت وجدت أن لدي فراغاً ولا بد أن أستغله فقمت بصناعة 300 ثلاثمائة بسطون من مختلف الخامات أهديت نصفها للأصدقاء وبعدها أشار عليّ الأخ أحمد باديب أن أعمل لها معرضاً وعمل لي عدد مائتين حبة استناندات من الخشب، والتفكير للمعرض جعلني أعمل له كتاباً والآن أفكر في تسجيل هذا المعرض في موسوعة جينيس للأرقام القياسية؛ لأنه لم يسبق لأحد أن صنع مثل هذا العدد صناعة يدوية من مختلف الخامات والأدوات.
ويبقى السؤال الحقيقي بحكم دراسته : لماذا لم ينظم معرضا فنيا. هنا يجيب: لأنني انشغلت بعملي التجاري ثم لأن تخصصي خزف ونحت وهذا يحتاج إلى وقت وإلى تفرغ، ففي الخزف أنت تتعامل مع طين وتشكيل، وهناك حرق في الفرن ودرجات حرارة معينة ثم تدهين وتعطيه طبقة زجاجية ومثله النحت؛ فهذه كلها تحتاج إلى وقت وأنا ليلياً أواظب على حضور سبع بشكات في جدة للاجتماع مع الأصدقاء طوال الأسبوع والعشاء لا أتناوله في المنزل وأنا أتعشى كل يوم في بشكة.
لاعب ومدرب كيرم
وعن مشوار مع الرياضة يقول: في الرياضة أنا مشجع لكني أفتخر بأنني لاعب كيرم مميز ومدرب كيرم مميز ولاعب بلوت مميز ولاعب تيتو مميز. وأستاذي هو الأستاذ سالم باجنيد فهو أفضل لاعب كيرم على مستوى المملكة وهو مبدع ومطور لهذه اللعبة، وقد تعلمت منه الكثير، كما أن أسرتنا بيت المرزا كلهم بارعون في هذه اللعبة إضافة إلى بعض الأسماء،
مؤسسة البلاد للصحافة والنشر
وعن ما قدمه لمؤسسة البلاد للصحافة والنشر كعضو مجلس إدارة وكعضو جمعية عمومية! وماذا قدمت هي له يقول الراحل جميل مرزا:
– كنت عضواً في مجلس الإدارة ضمن اثني عشر عضواً ثم تقلص العدد أخيراً من اثني عشر عضواً إلى ثمانية أعضاء، حيث اتحنا المجال للأعضاء الجدد ، وقد قدمت لها كل خبراتي؛ فمثلاً أنا مسكت المطبعة ليس رغبة في إدارتها وإنما كمجال أعمل فيه من سنوات طويلة من خلال طباعة الدفاتر والكتب، أما البلاد فقد أشهرتني وقدمت لي الشهرة فكل لقاءاتي التي تمت وكل ما كتب عني في هذا النشاط كان عن طريق هذه المؤسسة التي أنا عضو فيها. رطوبة حتى لو سكبت عليه الماء تجده يعطيك رنة.
جميل الجميل
محمد الجهني
لن أنسى ما حييت ذلك الترحيب المفعم بالتفاؤل غير المستغرب من جميل مرزا المكتنز انسانية.
للمرة الاولى التقيه رحمه الله بعد غياب طويل كان كما كان بسيطاً لطيفاً مهذباً مريحاً حد الدهشة لايحمل ضغينة على كائن من كان.
جميل مرزا كبير المستثمرين بالثقافة بعد ارتباط مرزا بالكتاب والكراسات والدفاتر بدءاً من أبو 20 وانتهاء بأبو 200 والألوان والمساطر وعلب الهندسة والصلصال.
لن أنسى اكتظاظ مجاميع الاولياء والطلاب في باب الريع بالطائف على مكتبة مرزا حيث كانت علماً ومنارة من منارات العلم.
رحمك الله أبا خالد وجمعنا بك في جنات النعيم.
الصديق الصدوق
المهندس أحمد عبدالوهاب آشي
وله من اسمه نصيب رحمه الله أخي المرحوم صديقي جميل عبدالعزيز مرزا الذي اختطفته يد المنون وافتقدناه اخاً وصديقاً صدوقاً لكل من عرفه وقد امتدت علاقتي به زهاء ستين عاماً فكان نعم الصديق الصدوق طيلة هذه المدة وقد حباه الله محبة الناس له بحضوره وتواصله معهم ولا نستطيع ان نوفيه حقه من الثناء داعين له بالرحمة والمغفرة وان يعوض اهله ويعوضنا الله فيه خيراً ويلحقه بالكرام البررة من النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً وكثيراً ما يمد اصدقاءه باقراضهم ما يحتاجونه بأريحية قل ان تجد مثلها في زماننا هذا.
“إنا لله وإنا إليه راجعون”
محب التواصل
فهد المقيرن
تعرفت عليه منذ سنوات عندما اصبحت مؤسسا وعضو مجلس ادارة في مؤسسة البلاد وقد لمست فيه الاخوة وحب التواصل وكل من يعرفه يتذكر مداخلاته وقفشاته وروح الشباب التي لا تفارقه ولذلك اجمع الكل على محبته وتقديره. ادعو الله ان يلهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان كما ادعو له بالرحمة والمغفرة وان يسكنه رب العباد فسيح جناته في الفردوس الأعلى..”انا لله وانا اليه راجعون.
الصامت الطيب
خالد المعينا
تربطنا به علاقة قديمة واعتبره من مثقفي جدة القدامى، ومن أوائل المؤسسين لمكتبة ميرزا (رائدة التجارة في مجال المكتبات والأدوات والقرطاسية) والكتب الثقافية. ويعتبر هو صاحب العلامة التجارية والمستورد الأول للملف “الأخضر العلاقي” الشهير.
جميل ميرزا الرجل الطيب والحنون وصاحب الابتسامة التي لا تفارقه رغم أنه مرّ بأزمات كثيرة في حياته … كانت له روح رياضية وعند دخوله أي مجلس كانت له هيبة ومعروف لدى أهالي جدة القديمة، من محبي الخير ومساعدة الناس بصمت .
خلال اجتماعات الجمعية العمومية لصحيفة البلاد كان لا يجامل اطلاقاً وقول الحقيقة عنده شيء مقدس لا يتنازل عنها مطلقاً.
اشتهر بابتسامته الدائمة وبالفعل أثرى حياتنا بشكل واضح بوجوده وحديثه وتناوله لشتى المواضيع. وكان دائم الحضور لمجالس الذكر.
سبحان الله كان من المفترض أن التقي به خلال الفترة القادمة بخصوص المناقشة حول هوايته المفضلة والمتمثلة في جمع الاقلام القديمة وكذلك جمع “الباسطون”، سبحان الله اختاره الله إلى جواره . تقبله الله بواسع رحمته ..”إنا لله وإنا إليه راجعون”.