أرشيف صحيفة البلاد

ملك حكيم .. وإرادة لا تلين لضرب بؤر الفساد

إعادة فتح ملفات كارثة سيول جدة والتصدي للصوص الأراضي بالمناطق

 

جدة- البلاد
مجددا يؤكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الحزم في مواجهة أية تجاوزات بحق الشعب أيا كان مصدرها، والحفاظ على المال العام الذي هو رصيد الأجيال القادمة والشابة من الشعب السعودي، وهو ما تجلى بعدة قرارات كان آخرها ما صدر مساء اول امس السبت ، حيث استهدفت القرارات في المقام الأول حماية المملكة ومكتسباتها التنموية والاقتصادية والاجتماعية ، في ظل عهد الحزم في فترة حكمه، والأمانة التي تولاها بالحفاظ على مصالح الشعب ، وقطع دابر أي فساد أو استغلال للسلطة والنفوذ، وتطبيق الأنظمة بحزم على كل من تطاول على المال العام ولم يحافظ عليه أو اختلسه أو أساء استغلال السلطة والنفوذ فيما أسند إليه ، لخطورة الفساد وآثاره السيئة على الدولة سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً، واستمرارا لنهجه في حماية النزاهة ومكافحة الفساد والقضاء عليه، وتطبيق الأنظمة بحزم على كل من تطاول على المال العام ولم يحافظ عليه أو اختلسه أو أساء استغلال السلطة والنفوذ فيما أسند إليه من مهام وأعمال.. مع تطبيق ذلك على الصغير والكبير.

وتضمن الأمر الملكي الصادر السبت الماضي تشكيل لجنة عليا برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد ، وعضوية كل من : رئيس هيئة الرقابة والتحقيق ، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ، ورئيس ديوان المراقبة العامة ، والنائب العام ، ورئيس أمن الدولة لحصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام والتحقيق ، وإصدار أوامر القبض ، والمنع من السفر ، وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها ، وتتبع الأموال والأصول ومنع نقلها أو تحويلها من قبل الأشخاص والكيانات أياً كانت صفتها ، ولها الحق في اتخاذ أي إجراءات احترازية تراها حتى تتم إحالتها إلى جهات التحقيق أو الجهات القضائية بحسب الأحوال واتخاذ ما يلزم مع المتورطين في قضايا الفساد العام واتخاذ ما تراه بحق الأشخاص والكيانات والأموال والأصول الثابتة والمنقولة في الداخل والخارج وإعادة الأموال للخزينة العامة للدولة وتسجيل الممتلكات والأصول باسم عقارات الدولة، ولها تقرير ما تراه محققاً للمصلحة العامة خاصة مع الذين أبدوا تجاوبهم معها.
لقد جاءت تأكيدات سمو ولي العهد واضحة بأن أي شخص تورط في قضية فساد لن ينجو ، سواء أكان أميرًا أم وزيرًا، ومن تثبت عليه الأدلة الكافية سيحاسب. كما نبه سموه بأنه لا يجب أخد تقارير الفساد من وسائل التواصل الاجتماعي بل من الجهات المختصة.وتابع أن أي أحد يمكنه أن يعرض أي تقرير أو وثيقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك لا بد أن تكون هيئة مكافحة الفساد هي مصدر المعلومات في هذا الإطار، مشددا سموه على أن أي مواطن يستطيع تقديم أي وثيقة إلى هيئة مكافحة الفساد “نزاهة” تثبت فساد أي مسؤول في الدولة.
حلقات محاربة الفساد
في 13 /4 /1432هـ صدر أمر ملكي بنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ترتبط بخادم الحرمين الشريفين مباشرة لتشمل مهامها كافة القطاعات الحكومية، ولا يستثنى من ذلك كائناً من كان، وتسند إليها مهام متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات الخاصة بالشأن العام، ويدخل في اختصاصها متابعة أوجه الفساد الإداري والمالي ودون الإخلال باختصاصات الجهات الرقابية الأخرى تقوم الهيئة بالتنسيق اللازم مع تلك الجهات فيما يخص الشأن العام ومصالح المواطنين، وعلى تلك الجهات تزويد الهيئة بأي ملاحظات مالية أو إدارية تدخل ضمن مهام الهيئة.
كارثة سيول جدة
تعد كارثة “سيول جدة” واحدة من أخطر الملفات الكاشفة للفساد ، والتي تسعى اللجنة العليا لتحديد المتورطين فيها بالأدلة الكافية ، حيث راحت أعداد كبيرة وإصابة المئات، وحدوث خسائر مادية باهظة ، وطالت تهم الفساد عددا من المسؤولين.
وأدت السيول العاتية القادمة من الشرق والتي تجمعت في سد أم الخير إلى انهياره وإغراق الأحياء المجاورة بالمياه كما نجم عنها إغراق قطاعات واسعة من شرق جدة ووسطها بالسيول ما اربك وتيرة الحياة اليومية على سكان المدينة، وأعلن الدفاع المدني حينها مع أمانة جدة عن غرق أكثر من 40 موقعا في المدينة وتوقف الملاحة في ميناء جدة الإسلامي.
وكانت التحقيقات السابقة، أظهرت وجود تجاوزات ورشاوى، وتزوير وتلاعب في صكوك، واستكمال معاملات لها علاقة في أكثر الأحوال بتمرير صكوك مشبوهة وأراضي مخططات. كما أظهرت التحقيقات المتواصلة تورط رجال أعمال ومسؤولين سابقين، وأمين سابق لجدة مازال هاربا خارج البلاد.
وقال متابعون للتحقيقات والأحكام الصادرة في كارثة “سيول جدة“، إن المرحلة المقبلة ستشهد تغييرًا جذريًا في سير المحاكمات والتحقيقات الجديدة التي ستطال كثيرين ممن تم التحقيق معهم وآخرين.
وكانت المحكمة المختصة نقضت نحو 54 حكمًا من أبرز أحكام البراءة التي صدرت قبل 30 شهرًا على خلفية كارثة “سيول جدة”، وذلك من أصل 320 حكمًا تشكل عدد الذين تم التحقيق معهم وإحالتهم للقضاء في ملف “سيول جدة”، ويتوقع أن يرتفع رقم المتورطين تزامنًا مع إعادة فتح التحقيقات وتحريك دعاوى قضائية جديدة، في حال توصلت النيابة العامة لقناعات بتوجيه التهم إلى متورطين في قضايا لها علاقة بجرائم الوظيفة العامة.
الأراضي البيضاء والتعديات
شكلت هذه القضية مدخلا للفساد وإعاقة لأعمال الأجهزة المنية بإزالة التعديات مما افقد الدولة مساحات واسعة.
وكشفت دراسة أجرتها وزارة الشؤون البلدية والقروية قبل عدة سنوات عن اكثر من 7100 حالة تعدٍّ على اراضٍ يملكها آخرون والتلاعب في صكوك عقارية،وأن 7 مليارات ريال الفاقد السنوي بسبب التعدي على الملكيات وان عدم وضوح الرؤية والشك في وجود اكثر من مالك للعقار جعل المستثمرين يتراجعون عن الاستثمار في مجال العقار.
لقد تنامت ظاهرة التعدي على الأراضي الحكومية رغم صدور عدد من الأوامر السامية وتشكيل لجان لمراقبة الأراضي الحكومية وإزالة التعديات.
فقد أصبحت إزالة التعديات على الأراض الحكومية بملايين الأمتار خبراً تطالعنا به وسائل الإعلام بشكل متكرر، في ظل التنامي الواضح لتلك التعديات بعد أن تمكن الكثير من المعتدين تسويقها بل وصلت الجرأة إلى إقامة مكاتب تسويق في الأراضي المعتدى عليها، بعد تقسيمها وسفلتة شوارعها الداخلية لضمان سرعة بيعها على المواطنين الذين ينجرفون وراء وعود وهمية تقودهم في النهاية إلى المجازفة بمدخراتهم، حين تقوم الأمانات بإزالة إحداثاتهم.
وفي تقرير صادر عن مجلس الشورى في دورة سابقة ، أشار إلى أن هدف الاعتداء في الغالب هو الاستيلاء والمتاجرة وليس حاجة البحث عن سكن، حيث اعتبرت لجنة المرافق والخدمات العامة أن ظاهرة الاستيلاء على الأراضي الحكومية مشكلة تؤرق الجهات المختصة، رغم صدور عدد من الأوامر السامية وتشكيل لجان لمراقبة الأراضي الحكومية وإزالة التعديات ورأت أن السبب الرئيسي لذلك يعود إلى عدم وجود نظام واضح وعادل وشفاف لتوزيع الأراضي الحكومية يأخذ بعين الاعتبار الحاجة لإيجاد المساكن إضافة إلى محاباة البعض وتطبيق منح كبيرة لهم لا يتم تطويرها، كما لا تؤخذ عليها زكاة أو رسوم، إضافة إلى عدم قيام وزارة الشؤون البلدية والقروية بتطوير أراضي المنح وتوفير الخدمات العامة فيها ووضع آلية لمشاركة القطاع الخاص بالإضافة إلى طمع البعض في الثراء السريع عن طريق المتاجرة بالأراضي بعد الاستيلاء عليها وكذلك وجود اختلاف في أحكام القضاة في المحاكم الشرعية المختلفة حيال حجج الاستحكام المبنية على الإحياء بعد تاريخ 9/11/1387، كما أن عدداً كبيراً من الجهات الحكومية لا تحافظ على أراضيها بالصورة المطلوبة وتنفذ المشروعات المقررة عليها.
جرائم الرشاوى
أظهر تقرير للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد “نزاهة” ارتفاع نسبة البلاغات عن تلقي الرشاوى بنسبة 236%، فيما ارتفعت بلاغات التزوير بنسبة 334%، وذلك خلال العام (36/‏‏1437).
وأوضح التقرير الذي نوقش في مجلس الشورى مؤخرا، أن الهيئة تلقت 389 بلاغا عن سوء الاستعمال الإداري مقارنة بـ(155) في العام السابق له، فيما ارتفع عدد بلاغات إساءة استخدام المال العام إلى 201 بلاغ، مقارنة بـ(71) بلاغا في العام السابق.
كما شهدت بلاغات التزوير ارتفاعا إلى 113 بلاغا مقارنة بـ(26) في العام السابق، بينما انخفضت بلاغات إساءة استعمال السلطة من (119) في العام السابق إلى 13 بلاغا فقط، بحسب التقرير.
وأشار إلى تلقي الهيئة 148 بلاغا بشأن الوساطة والمحسوبية بزيادة كبيرة عن العام الماضي، إذ كان عددها 21 بلاغا فقط، و74 بلاغا عن الرشوة مقارنة بـ22 بلاغا في العام السابق.
ولفت إلى أنه لم ترد للهيئة في عام التقرير أي بلاغات عن اختلاس المال العام (20 بلاغا في العام الماضي)، وكذلك الحال بخصوص التسيب الوظيفي، فيما كان عدد البلاغات العام الماضي 29 بلاغا.
من هنا تأتي أهمية القرارت التاريخية الحازمة في التصدي للفساد وكشف المفسدين لتمكين كافة أجهزة الدولة من تحقيق رؤية المملكة 2030 التي وضعت من أولوياتها وقف الهدر المالي ورفع كفاءة الإنفاق الأمر بتعزيز النزاهة والشفافية وحمياة المال العام وحقوق المواطن.