الخرطوم ـ محمد الخاتم
“مفروش”، أشهر معرض متحرك للكتب يحاول جاهدا استعادة الخرطوم لموقعها المحوري في الثالوث الثقافي العربي (القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، والخرطوم تقرأ) بعد أن عزت القراءة على الغالبية التي أنهكتها الحروب ومتلازماتها من الفقر والتشرد وارتفاع مستويات الأمية.
في مساحة لا تتجاوز 200 متر مربع، مرصوفة بمربعات أسمنتية قديمة، تطوقها دائرة من المباني التي تتجاوز أعمارها 100 سنة وتتكدس فيها عشرات المحال التي تنشط في مجال الفلكلور السوداني، درجت مجموعة “عمل الثقافية” الأهلية التطوعية منذ عام على تنظيم معرض دوري للكتب بأسعار زهيدة كعمل طوعي لتشجيع الناس على القراءة، إلا أن الخدمة الأهم التي يوفرها “مفروش” هي خدمة تبادل الكتب بين زوار المعرض التي لا تقدمها غالبية المكتبات السودانية.
وعندما تبدأ الشمس في سحب أشعتها ناحية المغيب، فإن شموس أخرى تعلن عن شروق آخر منبعث مما يتم فرشه على الأرض من كتب (ومن هنا جاء إسم المعرض) فتجد الناس يتزاحمون في شكل دوائر صغيرة وكل منهم مشدود إلى كتب الدائرة التي تهمه، فيما يأتي البعض الآخر بكتب يعرضونها للتبادل مقابل كتب بحوزة آخرين.
المعروض من الكتب يغطي مختلف الحقب التاريخية وأفكارها والتي بإمكانك التقاطها بطرفة عين من وسط المعرض لتجدها على سبيل المثال كالآتي: “تهافت الفلاسفة” للإمام الغزالي، و”العقد الاجتماعي” لجان جاك روسو، و”الحب في زمن الكوليرا” لغابريال ماركيز، و”المثقف والسلطة” لإداورد سعيد، و”مذكرات تشرشل”، و”ديوان المتنبي”، و”الشيخان” لطه حسين و”كليلة ودمنة” لإبن المقفع.
يقول عبد الله الزين أحد مؤسسي “مجموعة عمل” لمراسل الأناضول إن “المجموعة تأسست في مارس 2012 كمجموعة تطوعية وبعد شهرين نظمت أول دورة من مفروش لتنشيط القراءة والإطلاع والآن بعد مرور عام نحن راضون إلى حد ما عن النجاح الذي تتحقق ونسعى للتطوير”.
وبشئ من الحسرة يضيف الزين : “الناس فقدت الإحساس بالقراءة حتى المكتبات بدأت تغلق أبوابها فمكتبة (سودان بوكشوب) التي يناهز عمرها 100 عام أغلقت مؤخرا لعامل الخسارة والأوضاع متدهورة في مكتبة مروي بوكشوب ودار جامعة الخرطوم وهذه أهم ثلاث مكتبات بالبلاد”.
ومفتخرا بالتجربة يقول الزين الذي كان يتحدث لمراسل الأناضول من داخل المعرض : “تجربتنا رائدة وسمعتها تعدت حدود الوطن فقبل فترة عقد معرضين مماثلين في ليبيا والأردن ونحن الآن نسعى لتطويرها وتحديثها”.
ويضيف: “في مارس (آذار) الماضي نقلنا معرضنا إلى مدينة ود مدني ( 200 كيلو جنوب الخرطوم) وفي الشهور القادمة نرتب لتنظيم معارض في مختلف المدن السودانية”.
نافذة آخرى تسعى المجموعة لتحقيقها وهي تأسيس مكتبة عامة لكنها تحتاج لجهد أكثر طبقا لما يقوله الزين لأن مصادر تمويل المجموعة لا تتعدى تبرعات الأعضاء والأصدقاء بالداخل والخارج وهي ترفض رفضا قاطعا أي رعاية من الشركات.
ويضيف: “هذه ليست مهمة سهلة لكننا نجتهد لتحقيقها رغم إمكانياتنا المحدودة وذلك بزيادة حجم التبرعات”.
في زاوية مزدحمة من المعرض كان منتصر زروق، أحد أعضاء المجموعة، يصلح من حقيبته المكدسة بالكتب والتي يحملها برفق على ظهره وهو مشغول بتعريف بعض الزوار الأجانب بالمعرض وفكرته وهو أمر عادة ما يتكرر مع انعقاد كل دورة حيث يحرص بعض الغربيين المقيمين في الخرطوم على زيارة “مفروش.”.
أنهى زروق محادثته مع ضيوفه قبل أن يطبع إجابته عن سؤال مراسل الأناضول إن كان مفروش يستطيع أن يعيد الخرطوم لقراءة ما تكتبه القاهرة وتطبعه بيروت: “إحساسنا بنجاح مفروش يتزايد دورة بعد أخرى ولا أستطيع أن أقول لك أن مفروش بإمكانه إستعادة الخرطوم لوضعها لككنا ذكرنا الناس بأهمية الكتاب ونحاول إنتزاعهم من مشغوليات الحياة اليومية التي أنستهم القراءة”.
ومن ميزات مفروش التي تعول عليها المجموعة كما يقول زروق هي أن الكتب تباع بأسعار رمزية في القسم الخاص بالمجموعة بينما تباع بأسعار مخفضة في بقية الأقسام التي يديرها أصحاب المكتبات الخاصة الذين يقصدون مفروش لعرض بضاعتهم حيث لا يتجاوز سعر الكتاب 15 جنيه سوداني ( 2.3 دولار حسب سعر السوق السوداء.).
نسرين الطالبة الجامعية ذات العشرين ربيعا بابتسامة عريضة تقول لمراسل الأناضول: “مفروش صار جزءا من جدولنا الأكاديمي فنحن لدينا ثلاث محاضرات عادة كل يوم، ومفروش بالنسبة لنا المحاضرة الرابعة لكنها الأهم”.
وتضم مجموعة “عمل الثقافية” تشكيليين ومسرحيين وموسيقيين وشعراء وكتاب ينشطون في هذه المجالات.