أرشيف صحيفة البلاد

معركة الحديدة .. قطع الشريان المالي والعسكري للحوثي

الحديدة ــ وكالات

بإعلان قوات الجيش اليمني مسنودة بقوات التحالف العربي، سيطرتها على مديرية الدريهمي على جبهة الساحل الغربي، مقتربة بذلك من مطار الحديدة، وسط أنباء عن فرار قيادات الصف الأول في ميليشيات الحوثي الإيرانية تكون الشرعية قد قطعت شرياناً مالياً وعسكرياً مهماً للانقلاب.
اذ تمثل الحديدة، التي تقع على بعد 226 كيلومترا غربي العاصمة صنعاء، أهمية بالغة للانقلابيين الحوثيين، وتحريرها يعني قتل هذا المشروع المدمر لليمنيين.
ويمثل ميناؤها آخر منفذ بحري للمليشيا للتزود بالأسلحة المهربة من طهران، بينما يمنع الانقلابيين دخول المساعدات الإغاثية عن طريقه والتي تهدف لتخفيف معاناة اليمنيين من جراء الانقلاب وسياساته.

وتعد استعادة الحديدة، من قبل التحالف العربي وقوات الشرعية، تطور نوعي سيفتح الطريق لتحرير باقي المحافظات الساحلية في شمال اليمن وجنوبه، في اطار السعي لإحكام السيطرة على كل المنافذ البحرية.
كذلك ومن شأن استعادة قوات الشرعية لميناء الحديدة، إنهاء تهديد الحوثيين للملاحة البحرية في باب المندب وقطع الإمدادات الإيرانية لهم عن طريق البحر، وحصرهم في المناطق الداخلية والجبلية.

وسيطر الحوثيون على محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر غربي اليمن في أكتوبر 2014، بعد شهر واحد من اجتياحهم العاصمة اليمنية صنعاء.
ورفضت مليشيا الحوثي، العام الماضي، مقترحا أمميا تقدم به مبعوث الأمم المتحدة السابق، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بتسليم الميناء إلى طرف محايد من أجل إدارته وتجنيب الحديدة أي عمليات عسكرية، بما يضمن تدفع الإغاثات والبضائع لليمنيين.
الى ذلك شرعت ميليشيات الحوثي الانقلابية، امس الاثنين، في عمليات نهب منظم وواسع للمؤسسات الحكومية في المدينة مع وصول قوات الشرعية اليمنية إلى أبوابها واقتراب تحريرها.
وأكد سكان محليون وشهود عيان، أن الميليشيات نهبت عدة مقرات حكومية في مدينة الحديدة، ونقلتها مع وثائق خاصة بها على متن شاحنات تحركت نحو العاصمة صنعاء، برفقة عناصر مسلحة من أتباعها.

كما أفادت مصادر عاملة في ميناء الحديدة، أن قيادات حوثية وجهت بمصادرة وبيع كل البضائع الموجودة في الميناء، المملوكة لتجار ومستثمرين.
وذكرت أن إدارة الميناء تلقت أوامر من قيادات ميليشيات الحوثي في صنعاء بمصادرة كل البضائع المخزنة والمحتجزة في الميناء من مواد غذائية وسيارات وغيرها، وبيعها في أسرع وقت ممكن، وتوريد الأموال لهم أو نقلها إلى صنعاء.
وأكدت المصادر أن الميليشيات الحوثية أغلقت الميناء بالتزامن مع وصول قوات الشرعية اليمنية إلى مديرية الدريهمي المتاخمة لمدينة الحديدة.
وفي السياق نفسه، قالت مصادر محلية، إن كثيرا من قيادات الحوثيين غادرت مدينة الحديدة وفرت باتجاه محافظة حجة وصنعاء.

وتواصل قوات الشرعية اليمنية، في هذه اللحظات، وبغطاء جوي من طيران التحالف، تقدمها الميداني باتجاه لامدينة حيث استكملت تحرير معسكر الزرانيق والمناطق المحيطة به في مديرية الدريهمي.
ونظرا للخسائر الكبيرة التي منيت بها الميليشيات الحوثية في جبهات الساحل الغربي وتحديدا في محافظة الحديدة، والتي أقر بها زعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي، قالت مصادر محلية إن الميليشيات تجبر مقاتليها في قرى الدُريهمي بالمحافظة على القتال بقوة السلاح إثر فرارهم من جبهات القتال، إضافة إلى اعتقال الرافضين وملاحقتهم في منازلهم.
ونقلت المصادر عن بعض الفارين أن الميليشيات قامت بإعدامات جماعية لفارين من الخطوط الأمامية بعد اتهامهم بالخيانة.

هذا وأعلن محافظ الحديدة الحسن طاهر أن قوات الجيش الوطني والمقاومة تواصل تقدمها نحو المدينة بخطوات سريعة بإسناد من تحالف دعم الشرعية.
وأضاف أن ثلاث مديريات جديدة بالمحافظة أصبحت خارج سيطرة الميليشيات، تزامنا مع التقدم عبر مديريات التحيتا والدريهمي وبيت الفقيه باتجاه مدينة الحديدة.
ودعا المحافظ أبناء القبائل المغرر بهم إلى ترك السلاح والانحياز للشرعية ومساندة قواتها لدحر الميليشيات الانقلابية.
فيما قرر قائد مليشيا الحوثي الانقلابية في خطابه المنكسر أن يمضي في معركته الخاسرة حتى الرمق الأخير باليمن، بعيداً عن مساحات السياسة التي قد تمنحه وجماعته بعض المكاسب والامتيازات السياسية التي تتضاءل فرصها مع كل انكسار عسكري تحصده قواته على الأرض.

وكان زعيم الانقلاب قد ظهر في كلمة متلفزة، شاحباً ومتوتراً، يحاول استعطاف واستجداء الجميع قبائل ومدنيين ونساء أيضاً، عقب الانتصار الكاسح الذي حققته قوات المقاومة المشتركة.لم يحدث أن ظهر زعيم الانقلابيين المدعوم من إيران من قبل بتلك الحالة من التوتر الذي تجلى بوضوح مع الكم الهائل من التناقض الذي حملته عباراته، وحالة الهلع الشديد الذي اكتسى ملامحه دون القدرة على إخفائها.
فالحوثي الذي أعلن، فيما يشبه النعي، أن سقوط مدينة الحديدة الاستراتيجية فعلياً من قبضته لأسباب وصفها هو بـ”الموضوعية”، لا تعني نهاية المعركة، عاد ليتناقض مع نفسه ويقول: “إن ماحدث ليس سوى اختراق مدرعات لمناطق سيطرة مليشياته وسيتم تدميرها سريعاً “.
وكان لافتاً التغير الواضح في مفردات الخطاب التي خلت من لهجة التهديد والوعيد والتحدي، وظهرت محملة بعبارات الاستجداء والمغالطات والانكسار النفسي والإحباط، الذي بات يحاصره في ظل تساقط المناطق من مليشياته وفرار مقاتليه من الجبهات.

و لم يكن تكرار عبارة “أمريكا وإسرائيل هي من تخوض معركة الحديدة” 13 مرة ، سوى محاولة بائسة لاستفزاز مشاعر اليمنيين وحثهم على الصمود وتعزيز جبهات قتاله، كما يرى المراقبون.
وقالت الباحثة اليمينة المتخصصة في علم النفس الاجتماعي أسماء محمد إن “التأمل في المخزون اللفظي وقراءة إيحاءات الجسد في خطاب الحوثي الأخير يعطي انطباعاً واضحاً عن انكسار نفسي ومعنوي من الصعب تجاوزه .”
وأضافت: “حالة الارتباك والضغط النفسي الذي يعاني منه سواء على الصعيد الشخصي أو على مستوى الخسائر العسكرية لجماعته تتبدى بشكل ممل في تكراره لمصطلحات يحاول من خلالها استجداء الآخرين لخوض معركته الشخصية، والتسويق لها بأنها معركة كرامة لكل اليمنيين ضد عدو لا يراه إلا هو في مخيلته كأمريكا وإسرائيل”.
وذكرت الباحثة اليمنية أن “هناك تطورا انعكاسيا في كلمة الحوثي، وهو العودة لخطاب المظلومية والأخطاء السياسية ورفض الذل والضيم والاستعمار، عوضاً عن لغة التعالي والأكاذيب التي كان يوهم بها المغررين من أتباعه، رغم أن جميعها تصب في بوتقة الإيغال بالدماء واستمرار الحرب عبر خرافة الجهاد المقدس”.

ولعل أبرز هلوساته المتناقضة حينما قال في سياق كلمته: “الله غني.. ليس بحاجة إلى أن نقاتل دفاعاً عنه”، ثم يعود ويؤكد في عبارة أخرى بقوله: “الله الذي قال: ( كتب عليكم الصيام)، قال: ( كتب عليكم القتال)، أي فريضة ملزمة” .
وعلاوة على سعيه التعيس في تسويق نفسه كمنقذ بمعركة لا تخصه هو ولكنها ببساطة “مؤامرة أمريكية إسرائيلية لغزو الحديدة”، فيما هو ليس سوى منقذ للحديدة وأهلها الذين طالبهم بالاطمئنان وأكد لهم بأنه ومليشياته سيكونون إلى جانبهم في تلك المعركة التي اخترعها للتو.
وقال: “المهم في هذه المعركة التماسك الشعبي في المديريات وتعزيز (مليشياته)” بالقبائل الحرة مع أبناء محافظة الحديدة.