قبل أشهر اشتكت طالبة بالثالث الابتدائي لأهلها من شدة الحر والرطوبة في فصلها الدراسي , بمدرسة مستأجرة في شرق جدة .. بسبب أن المكيف “خربان” .. وأن اصلاحه يحتاج منها ومن زميلاتها صبرا لحوالي ثلاثة أيام من “جهنم” سيعشنها في فصل محشور بالعشرات كأنما هو علبة سردين .. ولم يكن الحل أمام اولئك الطالبات سوى الخروج لـ ” حوش مدرستهن – الصندقة ” للبحث عن نسمات هواء لطيف – إن كان هناك شيء منها تحت “الهنجر” الملتهب أصلا .
ودعونا نجعل هذه المدرسة وهذه الطالبة – مدخلاً لموضوع شائك ومخجل تعيشه الكثير من مدارسنا منذ سنوات كثيرة , من عمر وزارة التعليم (المعارف – سابقا) .. ولم يجد جديد باهر ولافت في المسألة يوازي طموحنا ويتسق مع كوننا بلدا نفطيا غنيا مما يجعل سؤالا مكررا نسمعه في المجالس الخاصة من أن بيننا من هو محترف كلام وقليل عمل ، يهمل الأساسيات و”يتشعبط ” في الفرعيات.
مدارسنا (والبنات خصوصا) إذا تعطل فيها مكيف مثلا فليس أمام مديرة المدرسة من حل عملي إلا الاستعانة بسائقها أو حارس المدرسة أما قسم الصيانة بإدارة التعليم – ضعيف الامكانيات أصلاً – فلو تم التفكير في طلب خدماته فإن هذه ” قصة ” لوحدها يختلط فيها التراجيدي بالكوميدي ولامجال لشرح البيروقراطية التي تتلبس هذه القصة.
غياب المعلم أو المعلمة لأيام كثيرة (المعلمات أكثر بحكم ظروفهن) فمعنى ذلك أن حصصها أو فصلها صار في مهب الريح إذ لا يوجد فائض في المعلمات – العدد بالقطارة – تقتير شديد على أهم مؤسسة في حياتنا – وهنا يصبح حل “الفزورة” معروفا منذ أكبر جداتنا وأجدادنا مديري المدارس ، الحل هو توزيع طالبات الفصل على الفصول الأخرى لـ “يزداد الطين بلة” .. أو عمل جدول احتياطي ليرتفع نصاب المعلمة من 24 حصة الى 30 حصة أحياناً .. خياران أحلاهما مرّ – مرارة “المرمية”.
في العالم الأول المدرسة أفضل بيئة جاذبة في حياة الطالب وفي بريطانيا إذا أراد الأب معاقبة ابنه هدده بالحرمان من الذهاب للمدرسة غدا ، هنا الأمر مختلف فحشد غير قليل من الطلاب لا يحب مدرسته ولا معلميه ، وبينهم من لا يريد أن يتذكر حتى شكل المبنى ، فكيف في غياب الاستعداد النفسي والصفاء الذهني يمكن لنا أن نطلب من طلابنا أن يتعلموا ويبدعوا في أجواء خالية من المتعة والجاذبية ؟.
هنا مدير المدرسة يُصلّح المكيفات ويغسل المدرسة ويحضر الوايت عند انقطاع الماء , ويستلم جميع كتب الطلاب من الادارة التعليمية ويصلح الأبواب المكسرة و ……. إلخ .
المقاصف المدرسية قصة لوحدها وتأهيل وتدريب المعلمين والإداريين حكاية أخرى , ويتبع ذلك ويجاوره ضخامة المناهج وتلاحق الحصص والعنف المدرسي والمدارس المستأجرة ” فصل في المطبخ – وآخر في المقلّط – وثالث في المجلس” وغياب الخدمة الصحية للطلاب والمعلمين والنقل المدرسي للطلاب ومشاكل معلمات القرى النائية .. كل تلك وغيرها ملفات مازالت مفتوحة منذ سنوات ولم تجد الحل الجذري حتى الآن .. سوى بعض المسكّنات .
يا أيها الاخوة في وزارة التعليم .. لن نصل إلى العالم الأول .. وفي خريطتنا التعليمية .. مدارس حوشها صندقة.
معالي الوزير.. ما الجديد في مدارسنا؟
