أرشيف صحيفة البلاد

معالم وذكريات (١٤) .. البازان .. وذاكرة الأيام

د.زامل عبدالله شعراوي

وتحضر من الاعماق ذاكرة الماء حيث تنسج من بقايا المدن الخالدات ” كجدة ” التي تتحول ذكرياتها الى عوالم متداخلة يصبح رمزها الحنين والخلود وحكاية الانسان الذي رسم عمرها الى صفحات مضيئة .. وسوف نتحدث عن احدى مصادر الحياة وهو ” البازان ” وكما يطلق عليه في حارات ” جدة ” القديمة وفي مدن الحجاز كافة .
عرف ” البازان ” للذي لا يعرفه بمكان مخصص للسقاية وهو عبارة عن شبكة مياه متصلة بمواسير تسمى ” أشياب ” يتدفق منها الماء لتعبئة برميل حديدي مرفوع على عجلتين ومشدود إلى ” دابه ”
وفي بعض ” البازانات ” يوجد ” صنابير مياه ” مخصصة لتعبئة ” الزفة ” والمقصود هنا ليست زفة ” العروس ” إنما هي صفيحتان مصنوعتان من معدن ” التنك ” ” كتنك السمن الفارغة ” والتي يوضع فيهما الماء وتتصلان هاتان الصفيحتان بعضهما البعض بواسطة قصبة من الخشب تسمى عود ” الزفة ” أو ” البومبة ” وهي عصا غليظة في طرفيها سلسلتان من حديد لتعليق الصفيحتين فوق كتفي ” السقا ”
و ” للبازان ” مسؤول يسمى ” شيخ ” البازان وله الكلمة العليا ولا يستطيع من كان أن يثني له كلمة أو يكسرها.
وأصل كلمة ” بازان ” يقال انها كلمة تركية وهي مرتبطة باسم مهندس تركي قام بتصميم شبكة المياه لسقاية الناس والبعض ألمح إلى خلاف ذلك وأعادها إلى عام 1326هـ عندما أرسل فيه احد أمراء المغول في العراق أحد العاملين عنده واسمه ” بازان ” لإعادة إصلاح خط المياه المدمر.
ويتكون ” البازان ” من خزان مياه يزود بالماء بواسطة أنبوب يصله بخزان المياه العام للمدينة، ورصت الصنابير على جوانب الخزان ومنها يأخذ السقاة والسكان الماء، وبعض ” البازانات ” تختلف حجما وشكلا.
ومع ذلك فهذه ” البازانات ” كانت وما زالت أشهر من نار على علم في ” جدة ” والتي أُلغيت منذ زمن بسبب توسع المدينة وتوفر شبكة المياه التي دخلت البيوت بدلا من السقا الذي كان يجلب الماء من ” بازانات ” ” الكندرة ” وحارة ” اليمن ” و حارة ” البغدادية ” وحارة ” المظلوم ” و ” القشلة “وكيلو ” 3 بطريق مكة ” و” النزلة ” الشرقية و ” مدائن ” ” الفهد ” و ” غليل ” و ” الهنداوية ” و ” السبيل ” وهذه ” البازانات ” صغرت أم كبرت لم تظهر في وقت واحد وإنما ظهرت حسب الحاجة وحسب الامكانات وان كان أشهرها بازان ” العيدروس ” امام منزل العمدة عبدالصمد وبيت غيث ، لم يبق من هذه ” البازانات ” الا تاريخها وحكاياتها وقصصها الجميلة الذي بقيت في ذاكرة كل من عاش هذه الحقبه الزمنية في جدة العروس.
همسة:
هناك تفاصيل مخبأة في الذاكرة لا تضيع في الزحام ومرور الايام مهما طال الزمان.