د.زامل عبدالله شعراوي
للمدن حديثها وروحها حيث تبحر في التاريخ وتكتب تفاصيله ويأوي إليها انسانها لكي ينثر على ملامحها الجمال ودموع الفرح ولحظات الحزن لتاتي اليها عبر السنين شامخة كلحن خالد تتوارثه الاجيال ، المدن تمزج الازمنة وتحفظ لنا الحلم المتجدد بغد اجمل ..
تُعرف المنطقة ” التاريخية ” في جدة بأبنيتها التي تزين واجهاتها بالزخارف والنقوش الفريدة التي تميز الطراز المعماري الإسلامي، إلى جانب الإرث المعماري الحجازي ولاسيما المداخل الرئيسة لهذه المباني المصممة بطريقة فنية رفيعة المستوى باستخدام مواد الأخشاب، حيث تكون أشكالاً خشبية غاية في الجمال وتغطي المداخل ومعظم أجزاء المباني من الخارج، وتجسد فن عمارة بات خاصاً بها، مما جعلها محط أنظار الباحثين في مجال العمارة العربية والإسلامية.
ويعد البيت ” الحجازي ” الذي تسمى به بيوت ” جدة التاريخية ” تحفة معمارية يعكس ثقافة سكان جدة القديمة وذوق ساكني تلك البيوت التي قاومت الزمن ولا زالت شاهداً على حضارة وتقدم أهل جدة ، ويصف شيئاً من الحياة المجتمعية التي عاشوها، إلى جانب عاداتهم وتقاليدهم، وافسحت المجال الخصب للباحثين في التراث، ومن تستهويهم أعمال الديكور والبناء.
وتبرز في واجهة البيت ” الحجازي” النوافذ الخشبية المسماة ب ” الروشان “وهي تحفة معمارية تمتاز بالتغطية الخشبية البارزة للنوافذ والفتحات الخارجية التي تُصنع من الخشب الفاخر، والنقوش الإسلامية والألوان الترابية الهادئة، وتعرجات مهمة جداً لعملية التهوية إلى المنزل وتحجب الرؤية من الخارج، كما يمنع دخول الأتربة المحملة في الرياح بالسموم بعد اصطدامها بالواجهات الخشبية الكبيرة المساحة التي تقلل من سرعة الرياح وبالتالي من تساقط حبات الرمل المحملة مع الرياح خارج الفتحات الصغيرة في الروشان، وهي تقوم على تغطية النوافذ والفتحات المطلة من البيت على الخارج بالخشب الفاخر مع اعتماد النقوش الإسلامية والألوان الترابية الهادئة، وهي ليست إلا دلالة على ما ورثه أهل جدة من سمات العرب المسلمين المتمثلة في عدم ترك البيت مكشوفا للناظر من خارجه والحفاظ على حرمته وعلى خصوصياته إذ لا يطلع على البيت وما فيه ومن فيه إلا من يسمح له بالدخول من المقربين ، وجلبت معظم هذه الأخشاب إلى المنطقة التاريخية في أوائل القرن الـ14 الهجري، ومنها ما يسمى بالطيق والأبواب، وأعواد أخرى من خشب القندل، التي تأتي من سواحل أفريقيا الشرقية، قبل صناعتها محلياً.
كذلك معظم هذه البيوت بنيت من الحجر ” المنقبي” والذي كانوا يستخرج من البحر ثم يعدلونه بالآلات اليدوية ليوضع فـي مواضع تناسب حجمه إلى جانب الأخشاب التي كانت ترد من المناطق المجاورة كوادي فاطمة أو ما كانوا يستورد من الخارج عن طريق الميناء خاصة من الهند، كما استخدم الأهالي الطين الذي كانوا يجلبونه من بحر الطين يستعملونه في تثبيت المنقبة ووضعها بعضها إلى بعض وتتلخص طريقة البناء فـي رص الأحجار فـي مداميك يفصل بينها قواطع من الخشب “تكاليل” لتوزيع الأحمال على الحوائط كل متر تقريباً يشبه المبنى القديم إلى حد كبير المبنى الخرساني الحديث والأخشاب تمثل تقريباً الحوائط الخارجية للمنشأ الخرساني وذلك لتخفيف الأوزان باستعمال الخشب ، ويوجد في المنطقة ” التاريخية” اكثر من بيت من بيوت جدة القديمة يمتاز بالفن الجميل الذي رسمه ونقشه اهالي جدة على بيوتهم .
واتفقت واجهات مباني جدة التاريخية على طراز واحد أو اثنين على الأكثر ، وعرفت بيوت المنطقة التاريخية في جدة بالزينة والزخارف والنقوش التي تعم بها منازلها، ووجدت في الإرث الحجازي، وهي عادة ما تتواجد في المداخل الرئيسية لهذه المباني المصممة بطريقة فنية تستخدم فيها الأخشاب كمادة أساسية، فتكون في أشكال متنوعة تغطي تلك المداخل ومعظم أجزاء المبنى من الخارج، وهكذا فهي تجسد فن عمارة بات خاصا بها، مما جعلها محط أنظار الباحثين في مجال العمارة العربية والإسلامية ، وتعبر هذه البيوت عن حقبة تاريخية من حقب تطور الفن المعماري الحجازي القديم في المنطقة ” التاريخية ” بجدة .
همسه:
بيوت جدة التاريخية تعبر عن تاريخ وأصالة المكان ، نتمنى المحافظة عليها .