يعد البحر الأحمر شريانًا حيويًا مهمًا في خريطة العالم، بوصفه حلقة الوصل الجغرافية ما بين المحيط الهندي، والبحر الأبيض المتوسط، وطريق عبور التجارة لقارات الشرق والغرب، وبوابة الحرمين الشريفين عبر موانئ المملكة التي تزخر بتراث حضاري وإنساني سجله التاريخ على امتداد سواحلها المطلة على البحر الأحمر بطول 1830 كيلومترًا تقريبًا، تبدأ من محافظة “حقل” شمالًا إلى منطقة “جازان” جنوبًا، ويتوسطها من الجهة الشمالية الغربية مشروع “مشروع البحر الأحمر” الذي يعد من أضخم المشروعات السياحية في المنطقة، إذ يضم أكثر من 50 جزيرة سعودية على البحر الأحمر.
ويشغل 60% من سكان العالم النطاق الساحلي للقارات، ومعظم المدن التي يتخطى عدد سكانها مليون نسمة يعيشون على سواحل البحار والمحيطات إذ تعد مكانًا اقتصاديًا مميزًا لكسب لقمة العيش، وتحقيق التجارة؛ في حين أكد الاقتصاديون أن 90% من حجم البضائع في العالم تُنقل عبر المدن الساحلية، والمملكة العربية السعودية تتمتع بامتداد ساحلي قدره 2480 كيلومترًا على سواحل الخليج العربي، والبحر الأحمر.
وتنفرد المملكة بثروات بيئية متنوعة ضمن نطاق مساحتها الشاسعة في شبه الجزيرة العربية، ومن خلالها تمكنّ الإنسان الذي عاش على أرضها منذ قديم الأزل من تحويلها إلى مكتسبات ملموسة أسهمت في تكيف حياته مع محيطه الحيوي الطبيعي ليصنع حضارات إنسانية تعاقبت أجيالها، وبقيت علاماتها شاهدة عليها حتى الآن، ناهيك عن تميزها بثروة التنوع الأحيائي البديع الذي حرصت القيادة الرشيدة على المحافظة عليه.
ومن هذه الثروات “البحر الأحمر الذي يضم تنوعً أحيائيًا ومناخيًا فريدًا من نوعه في العالم، واهتمت به المملكة على مر عهود قياداتها – رحمهم الله – حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله – الذي أطلق رؤية المملكة 2030” الداعية إلى المحافظة على هذا التنوع البديع، وتحقيق التنمية المستدامة والرفاه، إلى جانب التنظيمات التي أقرت سابقًا مثل : الاستراتيجية الوطنية للمحافظة على التنوع الأحيائي في المملكة، وهو ما أخذ في الحسبان من قِبل مشروع البحر الأحمر.
ويأتي إطلاق الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع (رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة) مشروع (البحر الأحمر) الممتد لـ 200 كيلومتر على سواحل البحر الأحمر بين مدينتي أملج والوجه، امتدادًا لحرص الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على حفظ الثروات الطبيعية للبلاد، وتعزيز علاقة المواطن بها من خلال رؤية نهضوية للسياحة البيئية تتيح له فرصة الاستفادة من مكتسباتها، ويقف خلف تنفيذ هذا المشروع الوطني بشكل كبير صندوق الاستثمارات العامة.
وللبحر الأحمر مكانة كبيرة لدى الجغرافيين، فقد قال مدير عام مركز تاريخ البحر الأحمر وغربي المملكة التابع لدارة الملك عبدالعزيز الدكتور هاني بن زامل العبدلي، إن الكثير من الباحثين اهتموا بدراسته عبر التاريخ نظرًا لتميز موقعه الجغرافي الذي يربط بين قارات آسيا، وأفريقيا، وصولاً إلى أوروبا، وما طرأ عليه من تطورات مع اكتشاف النفط جعلته يمتلك مساحة جيوسياسية أكبر من مساحته الجغرافية.
وأشار في حديث لـ واس إلى أن المملكة تمتلك ما يقرب من 1300 جزيرة في البحر الأحمر والخليج العربي، منها 1150 جزيرة في البحر الأحمر، مفيدًا أن الجزر الموجودة بين مدينتي أملج و الوجه تمتاز بشواطئها الرملية البيضاء التي يمكن الاستفادة منها في إقامة المنتجعات والقرى السياحية، ناهيك عن الشعب المرجانية التي تضفي على البحر صورًا جمالية تعبر عن الغناء البيئي الذي تتمتع به سواحل البحر الأحمر في المملكة لاسيما في جزرها البكر.
وطبيعة منطقة مشروع البحر الأحمر هي في واقع الأمر طبيعة سياحية تجتمع فيها الرمال الناعمة، والجبال، والشواطئ البيضاء، والكائنات البرية والبحرية، بجانب معالم تراثية لحضارات قديمة عاشت بالقرب منها، ومن المنتظر وضع حجر أساس المشروع في الربع الثالث من عام 2019م، والانتهاء من المرحلة الأولى في الربع الأخير من عام 2022م، وستشهد هذه المرحلة تطوير المطار، والميناء، والفنادق ، والمساكن الفخمة، وجميع خدمات البنية التحتية والنقل، لينتقل المكان من الحلم إلى الواقع الملموس.
وسيعمل هذا المشروع على صنع التكامل عند الإنهتاء من صورته النهائية، إذ سيكون وجهة سياحية تجمع معالمه ما بين : الثقافة ، والفكر، والتاريخ، والسياحة، والاقتصاد، وقبل هذا كله تذكر الإنسان بعظمة الخالق الذي أبدع هذا المكان ورسم مكوناته الطبيعة، وأوجد فيها مختلف الكائنات الحية، وطرز سماء المكان بالمجرات والنجوم التي تطل على مرتادي المشروع بشكل واضح كل ليلة بلمعتها البرّاقة لتعطي للمهتمين في الفلك درسًا في خريطة السماء، تجاورها على مرمى البصر معالم إسلامية عريقة تتحدث عن عهد النبوة في مدائن صالح، وسط أجواء آمنة قل توفرها في العديد من البلدان التي تمتلك مثل هذه المشروعات السياحية.
ويقودنا الحديث عن مزايا مكان المشروع إلى الحديث عن شمولية مزايا البحر الأحمر الذي تعرّض في تاريخه لمرحلتين من الانفتاح، الأولى : قبل 20 مليون سنة، والثانية : قبل 5 ملايين سنة، وامتاز عن سائر بحار العالم بالظواهر الجيومورفولوجية الساحلية مثل: الشروم، والمراسي، والخلجان، والألسنة الأرضية، والوديان، وباستقرار ودفء كتله المائية في المناطق العميقة منه التي تصل إلى 2635 مترًا، بالإضافة إلى درجات حرارة مياهه السطحية التي تتراوح ما بين 16 إلى 26 درجة مئوية على مدار العام خاصة في مناطق الشمال الغربي للمملكة.
ووفقًا للهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة، فإن مناخ منطقة مشروع البحر الأحمر بشكل عام يوصف بالمعتدل على مدار العام، ومن أفضل الأجواء في المملكة، حيث تصل درجات الحرارة في شهر يناير من كل عام إلى ( 19.7 ) مئوية، بينما في شهر أغسطس إلى (31.1) مئوية، واتجاه الرياح بشكل عام شمالي غربي، وموسم الأمطار خلال فصل الشتاء .
وتتنوع في البحر الأحمر المصائد لأن سواحله من أجمل أماكن الاستيطان للكثير من الطيور، والثدييات – 12 نوعًا من الحيتان والدلافين -، والزواحف، والفقاريات، وبعض النباتات، والطحالب، والأشجار مثل : شجر الشورى، لكنه عُرف بالشعب المرجانية التي تحفظ التوازن البيئي فيه، وتتكون من 200 نوع، تأوي 400 نوع من الأسماك التي تتعايش معها.
وفي ذلك السياق أكد عميد كلية الدراسات البحرية في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور هتان بن عبدالكريم تمراز أن الجزر الواقعة ضمن مشروع البحر الأحمر من أجمل جزر العالم من حيث صفاء وشفافية مياهها، والتنوع الحيوي لكائناته البحرية، ونظافة شواطئها، ونقاء هوائها البعيد عن مصادر التلوث، ومنها جزر : ريخة، غوار، أم روغة، شيبارة، سويحل، جبل حسان، وتتمتع سواحلها ببيئة شعاب مرجانية غنية جدًا بالمراجين سواء الناعمة أو الحجرية ذات الألوان الجذابة.
وأضاف أن أسماك الزينة التي تعيش بين أحضان الشعاب المرجانية في أملج والوجه تضاهي أسماك العالم في جمالها، ومنها أسماك : الفراشة، والكرومس، وزهرة الأوركيد، والزناد، ودجاجة البحر، والسحل، والجراح، والجوبي.
وتضم منطقة مشروع “البحر الأحمر” طيورًا بحرية تلعب دوراً مهماً في النظام البيئي البحري بصفة عامة، ووضعها العلماء على قائمة الهرم الغذائي في البيئات البحرية لأنها تتغذى على الأسماك الصغيرة والقشريات، والأخيرة تتغذى على الكائنات الأصغر منها من قشريات وكائنات دقيقة مثل: البلانكتون، والطحالب، والنباتات البحرية.
وعند الحديث عن النظرة الشمولية الهادفة من مشروع البحر الأحمر، وصف الدكتور هتان تمراز هذا المشروع بأنه إضافة نوعية في مجال دعم الاقتصاد الوطني ومنشئة حقيقية تمخضت عن رؤية الملكة 2030 في غضون سنوات قليلة، مؤكدًا أن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وفق كثيرًا في اختيار موقع المشروع نظير ما يتميز به من ثروات طبيعية، وتنوع بيئي، وكائنات حية، وأرض خصبة تُلبي معالمها شغف السياح الباحثين عن الشواطئ البكر وعن البيئة البحرية المليئة بالتنوع السمكي، والمرجاني، والأثري.