ملامح صبح

مساعد الرشيدي ، كما عرفته

رؤية – محمد الرفيدي

ويلف الموت مساعد الرشيدي ..هكذا إذاً كانت نهاية هذا الفارس الذي ترجل بعد عناء من الكتابة دام لأكثر من ثلاثين سنة،لم يبد خلالها سوى أنموذجاً للكلمة الصادقة والتعبير الحي،فتجاوز بمفهوم الشعر كل معاني الاستهلاك، وأيقظ مضاجع الشعراء بمعانية وأخيلته،كتب السهل الممتنع، فأجاد وأفاد، وتجنب التشظّي في فخاخ الطلاسم ،

فكان وجبة شهية لرجل الشارع قبل المثقف،لم يتكلف يوماً ما،ولم يبد مزهواً بمايكتب، عدا مايمكن أن يقال لأبسط الناس حقاً في هذه الحياة،أدرك بعد نجاحاته المتكررة أن هناك من يتصيد له، فلم يعره انتباهاً،

وكان واثق الخطوة بالفعل،تحدى نفسه قبل جيله من الشعراء،فكان الرقم الصعب والعملة النادرة،هذا هو مساعد الرشيدي ، الذي أشاد به بدر بن عبدالمحسن في العام ١٩٩٥م – إن لم تخني الذاكرة – ومن ذلك الحين وهو يتأرجح بطراً بين الثناءات والمدائح ، غير أن هذه الثناءات وتلك المدائح لم تزده إلا ثقة بنفسه ، فقاوم كل الغطرسات ، ومضى في طريقه نحو الشعر ، ولا شيء غير الشعر .وعندما بدأ مشروع مجلة المختلف ،

كان أحد من أسهم في هذا المشروع ، بإشراف من الأمير بدر بن عبدالمحسن ، ومثل مع ثلة من زملائه الشعراء ولادة شعر جماعي لم يكن مخبوءاً من قبل ، إنما كان يتفرد به البدر بمفرده ، ومع أن مساعد من خير من أفرزته التجربة (البدرية) إلا أنه لم يقترفها بكل مافيها ، فلم يعرف عن مساعد – مثلاً – كتابة القصيدة الحرة أو شعر التفعيلة ، بل ظل محافظاً على نمط الكتابة التقليدي للقصيدة العامية ، فلم تكتمل تجربته حتى وفاته ” يرحمه الله ” ، وظني لو أنه جرّب كتابة النص الخارج عن المألوف لربما برع في هذا ،

كما هو الحال في تجربته التي قد تكون اليتيمة حينما كتب ” أنتي نسيتي “أقول: لو أنه- بالفعل – كرر تجربته تلك في مثل نص ” أنتي نسيتي ” وطعّمها بما يشبه تصوراته وأخيلته التي تكتظ بها نصوصه العمودية لربما نجح نجاحاً باهراً ، لكني أعتقد أن مساعد كان أسير النص العمودي ، فلم يستطع الإنحناء لغيره ؛ ولذا ظل منافحاً عنه بكل ما أوتي من شعر ،

وبدا للناس أنه لا يستطيع خوض تجارب غيره ، مع أن ذلك خلاف الواقع .ونحن حينما نتفق جميعاً على شاعرية مساعد ، يجب أيضاً بالمقابل أن نتفق على أن تزكية البدر له في العام المشار إليه سلفاً قد أسهمت بنصيب الأسد في رفع أسهم مساعد لدى الناس ومتابعيه بالذات ، فمساعد حينها كان بحاجة لتلك الإشادة ، خاصة وأنه لم يكن في ذلك الوقت قد ظهرت ماعرف مؤخراً بالستلايتات ، فعزف مساعد على وترين هامين ، الأول : وجود قناة مقروءة كالمختلف ،

التي أدارها مع ناصر السبيعي ومرافقيه من شقة صغيرة بمدينة الرياض ، الثاني: إشادة الأمير بدر بن عبدالمحسن له ، وقد يتعجب الكثير من تركيزي على تلك الإشادة،لكن من عايش تجربة مساعد أيقن بحقيقة ما أقول .وبدأ نجم مساعد يطفو على السطح ، وشيئاً فشيئاً حتى استقر له الأمر ، وأصبح نجم المختلف الأول ،

فبات معروفاً على مستوى الخليج ، كان حينها قد استقر الأمر- أيضاً – للشعر الشعبي في المهرجان السعودي الأول (الجنادرية) ،ونظراً لوجود مساعد بالقرب من هذا المهرجان ، كونه ينتسب لإحدى الجهات المنظمة له ، فلم يكن بدعاً من الفعل مشاركته فيه أو الإسهام في إعداد برامجه ، ونحن حينما نستعرض مثل هذه الأحداث في حياة مساعد ” يرحمه الله ” لا نزعم أنها هي التي كفلت له كل هذا الحضور في وجدان الناس ، أبداً ، فمساعد لو لم يكن مستحقاً لهذا الحضوراً وجديرا به لما ظهر بهذ الشكل المهيب.
ثم كتب مساعد قصيدته الشهيرة :
(صوتك اللي بقا لي من ليالينا
عاد لو غاب صوتك ويش يبقا لي)
وكان حينها في أوج توهجه،كنت – أنا – قبلها،ومنذ العام ١٩٩١ تقريباً قد بدأت في التعاطي مع صحافة الشعر الشعبي ككاتب وشاعر في آن واحد ، غير أن صفة الكاتب تطغى في كثير من الأحيان على حضوري ، فتلتهم ما أكتب من شعر ، في العام الذي نشر مساعد نصه هذا كان يقيم حينها في أمريكا ، أبان ابتعاثه لبعض الدراسات المتعلقة بجهة عمله ،

وكنت أرى أن نصه آنف الذكر لم يستوعب ذلك الحنين الذي يفترض أن يكون قد تملكه حين وجوده في بلاد الغربة ، خاصة وأنه رجل عسكري ومحسوب على الوطن أكثر من غيره ، فتناولت النص بشيء من النقد الذي أثار حفيظة المختلف ومن يدير الملف الشعري فيها حينئذ ، الأمر الذي خسرت – بناء عليه – حضوري في منبر كالمختلف ، ولم أكن أتوقع إنحيازها الأناني بهذا الشكل .لماذا المختلف بالذات دوناً عن غيرها ؟بكل بساطة ؛ لأنها كانت قد بسطت أذرعها للنجم مساعد، وقد عملت على تلميعه لسنوات عدة ، أفيعقل أن يأتي شخص من خلال قراءة بسيطة لنص أبسط ،

ثم يهدم كل مابنته !! لم تكن حينها هذه إلا عقبة بسيطة ، تخطاها مساعد؛لأنه نجم، والنجم لا تطفئه عدم وجود ضوء واحد ، فقد يكون هناك من يضيء له بشكل أكبر.ومضى- كما يعلم متابعوه وكثير ممن صحبه أو كثير من المنابر التي اعتلاها – كما لم يمض أحد من الشعراء من قبل، واثق الخطوة والشعر، فساد وتسيّد ، وفرض نفسه ولم يُحَيّد،فرحمه الله رحمة تنزله منازل الصالحين ، وجعل مثواه الفردوس الأعلى من الجنان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *