زين العابدين صالح عبد الرحمن
تعتبر الإذاعة السودانية والتي تأسست عام 1940م رائدة العمل الإعلامي والإبداعي في السودان، وقد قادت العمل الإعلامي قرابة ربع قرن، حتى تأسس تلفزيون السودان في النصف الأول من ستينات القرن الماضي، وتأثرت الإذاعة السودانية في عملها وطريقة إخراج البرامج و تصنيفها بمدرسة إذاعة (BBC) باعتبار أن السودان كان تحت الاستعمار البريطاني، وكانت ترسل بعثات لتدريب الإذاعيين في القسم العربي، وعندما عاد هؤلاء نقلوا تجربة الإذاعة البريطانية، وهي المدرسة التقليدية في العمل الإعلامي (مرسل + رسالة + مرسل إليه + مؤثرات صوتية) والأخيرة الهدف منها هو إعطاء البرامج شخصيتها الاعتبارية إلى جانب تحديد الفواصل بين المواد، وإعطاء فرصة للمستمع الاستعداد للمادة الأخرى(تنبيه ذهني).والمدرسة التقليدية في العمل الإذاعي، هي المدرسة التي كانت منتشرة في الإذاعات القومية، وتأخذ نفس الطابع مع اختلافات بسيطة هنا وهناك.
كانت الإذاعة تعمل علي هدى المدرسة التقليدية، ولكن هي أيضا، كانت تقسم إلى مراحل، أضافت عليها تطويرا وتحديثا مهما، المرحلة الأولى يمثلها البروفيسور علي محمد شمو، وتبدأ بصماته بعد عودته من الولايات المتحدة، حيث نقل نوعا جديدا في العمل الإذاعي من التجربة الأمريكية وهي تعتمد علي تقديم كمية كبيرة من المعلومات في الرسالة الإذاعية، مع تسلسل تاريخي لأحداث الرسالة، مع مؤثرات صوتية يراعى فيها التطور التاريخي للرسالة، وهذه المدرسة لا تهدف فقط لتوصيل رسالة إلى مستمع إنما السيطرة الكاملة عليه وبالتالي تكون الإذاعة مرجعية أساسية للمستمع في الحصول علي المعلومات.
المرحلة الثانية يمثلها الأستاذ محمد خوجلي صالحين، وهي مرحلة عادت مرة أخرى للمدرسة التقليدية البريطانية، ولكن صالحين كان يعتقد أن التركيز في العمل الإذاعي أن يكون في الأخبار وتوابعها من تقارير وحوارات صغيرة وتصريحات لمسؤولين تكمل رسالة الخبر، وهو ذات النهج لإذاعة ( BBC ) باعتبار إن الإذاعة ترتبط عضويا بشؤون الدولة، لذلك الأصل فيها تقديم خدمة إخبارية ، كما كان يعتقد صالحين،أن واجهة الإذاعة صوت المذيع، فكان تركيزه علي المذيعين أكبر.ويلتقي مع صالحين،الأساتذة محمد سليمان وصالح محمد صالح ومعتصم فضل، وإن كان محمد سليمان حاول تدعيم العملية الإخبارية من خلال تقديم برامج تصب في ذات المنهج، و هذه المرحلة حدثت لها تقاطعات مع المرحلة الثالثة كان يمثلها الأستاذ محمود أبو العزائم، الذي خرج من دائرة أن تكون الأخبار محور العمل الإذاعي إلى دائرة أوسع وأشمل، في إن العمل الإذاعي يجب أن يحتوي علي تنوعات غير مرتبة ومصنفة تصنيفا ثابتا، بل التصنيف يحدده المستمع، ولكن يقوم العمل الإذاعي علي المبدعين، ولذلك كان مهتما جدا بالأشخاص الذين يقدمون مبادرات برامج غير مسبوقة، ويحاورهم فيها، وهذه المدرسة كان يمثلها الأستاذ محمد عبد الله عجيمي وتم تطبيقها في إذاعة صوت الأمة، والخاتم عبد الله والبروفيسور صلاح الدين الفاضل وكل هؤلاء أصبحوا مدراء للإذاعة السودانية، وإن كان البروفيسور صلاح الدين الفاضل بعد ذلك بنى مدرسته الخاصة.
وتعتبر مدرسة صناعة الشخصية الإذاعية، أهم مدرسة تقوم بصناعة الإذاعي الملم بكل فنون العمل الإذاعي، وهذه المدرسة رائدها البروفيسور صلاح الدين الفاضل، من خلال قسم الدراما في الإذاعة السودانية، ومن خلال هذا القسم الذي كان رئيسه، كان يقوم بدراسة الشخصية الإذاعية دراسة دقيقة، ويختار العناصر التي يريد أن يجري تجربته فيها، ومن الملاحظ أنهم كانوا جميعا من خريجي معهد الموسيقي والمسرح، وأيضا الملفت للنظر كان كل الحاملين لدرجة البكالريوس من كليات الإعلام يفضلون الذهاب إلى إدارة الأخبار والسياسية والقسم الثقافي، في الإذاعة.ويعتقد صلاح الدين الفاضل أن أي شخص يختزن في عقله الباطن صورا جمالية وتعبيرية وتشكيلية، وأن هذه الصور لا يمكن أن تخرج للواقع إلا إذا حدث استفزاز كبير للمبدع من خلال دائرة الإبداع التي يعمل فيها.