الأخيرة الأرشيف

مدارسنا .. من ( الصندقة ) إلى العالم الأول

بخيت طالع الزهراني

قبل خمسة أيام اشتكت طالبة بالثالث الابتدائي لأهلها من شدة الحر والرطوبة في فصلها الدراسي , بمدرسة مستأجرة في شرق جدة .. بسبب أن المكيف ” خربان ” .. وأن اصلاحه يحتاج منها ومن زميلاتها صبرا لحوالي ثلاثة أيام من ” جهنم ” سيعشنها في فصل محشور بالعشرات كأنما هو علبة سردين .. ولم يكن الحل أمام اولئك الطالبات سوى الخروج لـ ” حوش مدرستهن – الصندقة ” للبحث عن نسمات هواء لطيف – إن كان هناك شيء منها تحت ” الهنجر ” الملتهب أصلا .
ودعونا نجعل هذه المدرسة وهذه الطالبة – مدخلا لموضوع شائك ومخجل , تعيشه الكثير من مدارسنا منذ سنوات كثيرة , من عمر وزارة التربية والتعليم (المعارف – سابقا) .. ولم يجد جديد باهر ولافت في المسألة يوازي طموحنا , ويتسق مع كوننا بلدا نفطيا غنيا , مما يجعل سؤالا مكررا نسمعه في المجالس الخاصة , من أن بيننا من هو محترف كلام وقليل عمل , يهمل الأساسيات و” يتشعبط ” في الفرعيات .
مدارسنا ( والبنات خصوصا ) إذا تعطل فيها مكيف مثلا , فليس أمام مديرة المدرسة من حل عملي الا الاستعانة بسائقها أو حارس المدرسة , أما قسم الصيانة بإدارة التعليم – ضعيف الامكانات أصلا – فلو تم التفكير في طلب خدماته فإن هذه ” قصة ” لوحدها , يختلط فيها التراجيدي بالكوميدي , ولامجال لشرح البيروقراطية التي تتلبس هذه القصة.
غياب المعلم أو المعلمة لأيام كثيرة ( المعلمات أكثر بحكم ظروفهن) فمعنى ذلك ان حصصها أو فصلها صار في مهب الريح , إذ لا يوجد فائض في المعلمات – العدد بالقطارة – تقتير شديد على أهم مؤسسة في حياتنا – وهنا يصبح حل ” الفزورة ” معروفا منذ أكبر جداتنا وأجدادنا مديري المدارس , الحل هو توزيع طالبات الفصل على الفصول الأخرى لـ ” يزداد الطين بلة ” .. أو عمل جدول احتياطي ليرتفع نصاب المعلمة من 24 حصة الى 30 حصة أحيانا .. خياران أحلاهما مرّ – مرارة ” المرمية ” .
في العالم الأول المدرسة أفضل بيئة جاذبة في حياة الطالب , وفي بريطانيا إذا أراد الأب معاقبة إبنه هدده بالحرمان من الذهاب للمدرسة غدا , هنا الأمر مختلف فحشد غير قليل من الطلاب لا يحب مدرسته ولا معلميه , وبينهم من لا يريد أن يتذكر حتى شكل المبنى , فكيف في غياب الاستعداد النفسي والصفاء الذهني يمكن لنا أن نطلب من طلابنا أن يتعلموا ويبدعوا في أجواء خالية من المتعة والجاذبية ؟
هنا مدير المدرسة يُصلّح المكيفات , ويغسل المدرسة , ويحضر الوايت عند انقطاع الماء , ويستلم جميع كتب الطلاب من الادارة التعليمية , ويصلح الأبواب المكسرة , و ……. إلخ , يعني ( 2 في 1 ) أقصد 10 في 1 وربما أكثر , قد يساعده بعض المعلمين بعد عملية ( رمي الغترة – وتكفي يالنشمي ) .
المقاصف المدرسية قصة لوحدها , وتأهيل وتدريب المعلمين والادريين حكاية أخرى , ويتبع ذلك ويجاوره ضخامة المناهج , وتلاحق الحصص , والعنف المدرسي , والمدارس المستأجرة ” فصل في المطبخ – وآخر في المقلّط – وثالث في المجلس ” وغياب الخدمة الصحية للطلاب والمعلمين , والنقل المدرسي للطلاب , ومشاكل معلمات القرى النائية .. كل تلك وغيرها ملفات مازالت مفتوحة من سنوات , ولم تجد الحل الجذري حتى الان سوى من مسكّنات .
يا أيها الاخوة في وزارة التربية .. لن نصل إلى العالم الأول وفي خريطتنا التعليمية مدارس حوش الواحدة منها صندقة ….. الخ ما قلناه أعلاه , ومالم نقله من واقع الحال , والسلام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *