أرشيف صحيفة البلاد

لحظة عناق

عجوز تحملها السنين ،ترفع فوق رأسها كومة من العشب
تتكىء على عصاتها
هموم مكدسة على ملامح وجهها
أضناها التعب ، تجتاز طريقا مليئا بالأشواك
ورغم ذلك لا تأبه بشيء تتحدى الخطى
ففي عصاتها قوة خفية تدعمها
وكل ذلك بسبب أيمانها الكبير بخالقها وشدة تعلقها به
لا تشعر بغياب عمرها رغم تعداد السنين ، وما مر بها من أنين
وما خالط أنفها من طين
تتجاهل كل أحزان الصمت بقوة
ترسم مساراً غطته الفرحة اتقد فيه الحنين تنسى فيه كل الهموم
سماء صافية شفافة تتبعثر فيها بعض الغيوم
ولحظة قادمة تنبئ عن هطول الأمطار
تبدأ تتكاثف الغيوم حتى اصبحت داكنة
دمعات تنهار تمتد تلك الأيادي تتضرع إلى الله بخشوع تام
تدعوه حسن الختام ولازال يغطي وجهها اللثام
بقيت متعلقة بتراثها ، تحن للأرض التي زرعت فيها أيام عمرها
لا يعنيها سوى الارتباط بكل مساحة خطتها قدماها
وفي المقابل طفلة تلهو وتلعب تتنظر عودة جدتها
فقد تعودت أن تستقبلها بابتسامة وترتمي في حضنها
نظراتها برئية ووجهها صافي وليلها مشرق ونهارها انطلاقة
رغم أنها تفتد والديها
تداعب العجوز الطفلة تحنوا عليها وتراعيها
تبتسم لها ، تمسح دمعة من على وجه الطفلة
وهكذا يوميا على هذه الحال شوق يسكن كل الزوايا
ولهفة تتجدد مع كل عودة وحين يطل الظلام
وفي ذات يوم اصطحبت هذه الطفلة معها وحينما حان موعد العودة
تحركت وجرت أمام جدتها ولكنها تعثرت وسقطت
وما لبثت أن قامت فجأة كغزال شارد
تواصل رحلتها ، تقطع الطريق غير عابهة بالخطر المحدق بالطريق
تحن لغرفتها بعد أن قاربت الشمس على الغروب
تتهادى وسط أمواج من السيارات العابرة
فقط تلتفت للطفلة تنادي عليها ، تقسو على نفسها
وتتبعها الطفلة إلى أن تصل لدارها الذي تحيطه الخضرة من كل جانب
حيث قامت بغرس كل الأشجار حيث كانت بعمرها
وشويهاتها تنطلق خلفها تتابع خطواتها تريد أن تستكين
صحراء طويلة بها أشجار متناثرة رغم حرارة القيظ والسموم
التي تحيط كل شيء
تواصل الاصرار على رحلتها وتشعل الفانوس على نغمات الطفلة
وأهازيج شويهاتها ، فيضيء المكان ويصبح شعلة وسط الظلام
ينطلق من وجهها
بهاء وصفاء حياتها نقاء وعمرها وفاء ودموعها نهر غزيز معطاء
يميل كل شيء إلى الهدوء والاستكانة
تستسلم الأجفان للنوم
لا حركة ولا صوت غير تماوج ضوء الفانوس
حين يلقحه الهواء
أيتها الساكنة في البعد أمحينني من لحظات عمرك
همسة أسجلها في ذاكرة التاريخ تروى للأجيال
ومن أيامك ذكري ومن أحلامك بسمة
لن تعيشي وحدك وسط الجبال تحتويك الهموم
بل سوف يظل قلبي معك
وعيني تراعيك فأنا مثل أبنك
هذه أيادي تمتد إليك ونظراتي تشاركك
فلا تخافي فالله معك
تنطلق السيارة من ذلك المكان لكن قلبي ارتبط
ارتباطا وثيقا بذلك المكان وبك أيتها المشرقة هنا
فهل هناك من امل يعيد التقاءنا ويجمع بيننا من جديد
أراك فيها بصحة جيدة ترعين تلك الطفلة حتى تكبر
سيف المرواني
عازف شجن
السعودية