الأرشيف شذرات

لا تقتلوا أُمهاتكم …!

[COLOR=blue]عتيق الجهني[/COLOR]

أيام إجازة عيد الأضحى لها طعم خاص من حيث مدتها والأنشطة التي تعودنا كمجتمع على ممارستها من فرحة بالعيد المبارك وتسابق على حجز الخيام على شواطئ البحر والاستمتاع بتجمع الأهل والأصدقاء ؛إلا أننا وللأسف نحصد بين إجازة وأخرى مزيداً من الأرواح ….فالشباب الذين كانوا بالأمس حلم الوطن وأسمى أهدافه بل وأهم ثرواته ..والذين كانوا قبل بداية الإجازة بساعات قليلة يملؤون المقاعد الدراسية والمعاهد والجامعات هم ذاتهم وقبل نهاية تلك الإجازة نجدهم في كل مره يملؤون أسرة المستشفيات بين كسيرٍ وجريح..!
والسبب المؤلم هو ( طيش ) أغلبهم ولا أقول كلهم فالخير في الكثير منهم باقي ولله الحمد …ولكن تبقى خسارتنا لشاب واحد غير قابلة للتصنيف بين خسارة كبيرة أو صغيرة …فخسارة النفس دائماً كبيرة بغض النظر عن كم العدد الذي نخسره سنوياً من شبابنا بسبب ( القيادة الطائشة ) …!
……..
…….
مازلت أذكر مشهد ترك في قلبي مدينة من الحزن بل وزرع في ذاكرتي قوافل من الألم حينما كنت في زيارة لأحد الأصدقاء والذي كان يرقد على أحد الأسرة البيضاء في مستشفى ينبع العام ( ليلة العيد) وما أن وصلت لمواقف السيارات الخاصة بالمستشفى ..وإذا بعجوزٍ قد أخذ منها العمر ما أخذ بل وساد الهرم من جسدها النحيل الشيء الكثير ..للوهلة الأولى كنت أعتقد أنها مريضة وتحتاج لمساعدة اقتربت منها ومددت يدي نحوها ..وسمعتها تردد ( لاحولا ولا قوة إلا بالله ) …وكانت تسترجع كثيراً …بقولها إنا لله وإنا إليه راجعون …فسألتها بحروف بالكاد خرجت من لساني …يا( خالة هل من مساعدة أقدمها لكِ ) وقبل أن ترد على سؤالي اقترب مني شخص غريب وهمس في أذني قائلاً … إبنها الوحيد توفي قبل قليل متأثراً في حادث مروري …
كنت حينها بحاجة لحروف ترتص في فمي وتساعدني في الخروج بتلك العجوز ولو لشيء بسيط من المأساة التي أحاطت بها ولكن للأسف لم أنجح في ذلك ولعل فشلي في ذلك المشهد أعظم فشل واجهني على مدى حياتي ..؛المشهد لم ينتهي عند تلك الالتقاطة بل ما أن دخلت المستشفى إلا وبرجُل طاعنٌ في السن وبجواره زوجته التي لا تفرق عنه بالشيء الكثير من العمر قد وضع كلا منهما يده على رأسه …أمام بوابة الطوارئ علمت حينها أنهما أيضاً فقدا ضحية أخرى في ذات الحادث , وللقارئ الكريم أن يتخيل المشهد أعلاه كيف سيكون ذلك الوقع على الأنفس في ( ليلة العيد ) …لقد كان قتلاً لكل المشاعر والأحاسيس ..سألت حينها نفسي كيف ستمر الأعياد القادمه بل وكيف سيكون طعم ليالي العيد على تلك ( العجوز ) وعلى الرجل وزوجته الطاعنين في السن …!!
المشهد أعلاه أجبرني على تحرير رسالة بسيطة لشبابنا الأفاضل ..
الأم قدمت لنا الكثير وليست مساحة هذا المقال بكافيه لسرد جميلها على كل شخص منا بل وقد لا تسع كل كلمات الأبجدية لرد ولو الجزء البسيط من الجميل لها …فهل من العقل في شيء أو من باب رد الجميل أن تزهقوا أرواحكم وتنكتوا في قلوب أمهاتكم الحزن والألم وفي ليالي العيد بسبب طيشكم وعدم مراعاتكم لحق الطريق …
أخي الشاب ..قبل أن تسرع ..قبل أن تشرع في ( التفحيط ) قبل أن تحرص على إمتاع الجمهور الذي حضر ليصفق لجنونك …قبل أن تحرق مال أبيك .. قبل أن تقود سيارتك بسرعه جنونية ….تذكر أن ثمة أم تجاوزت الخمسين أو هي بالقرب من ذلك تنتظرك في المنزل ..ولك أن تقف دقيقة واحده وتتخيل حالها حينما تحيط بيديها التي أطعمتك صغيراً وقدمت لك الدعاء كبيراً .. جسدك الذي ( أصبح جثة ) فقط لتمتع الجمهور ..!
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *