متابعات

لإعطائها الاهتمام المطلوب.. الملك عبدالعزيز أول من فصل إدارة المحاجر الصحية عن مديرية الصحة العامة

مركز المعلومات – إعداد: عبدالله صقر

يعرف الحَجْر الصحي بأنه منع اختلاط مرضى الأمراض المعدية، بجمهور الأصحاء،
أما المَحْجَر الصحي أو ما يعرف بالكرنتينة فهو المكان الذي يُعزل فيه أشخاص، أو أماكن، أو حيوانات، قد تحمل خطر العدوى.

وتتوقف مدة الحجر الصحي على الوقت الضروري لتوفير الحماية، في مواجهة خطر انتشار أمراض بعينها. ويشير الحجر الصحي في سياق الرعاية الصحية إلى مختلف الإجراءات الطبية المتبعة لإحباط انتشار العدوى التي قد تنتشر بالمستشفيات حيث تتواجد صور مختلفة للحجر الصحي والتي يتم تطبيقها اعتماداً على نمط العدوى والعوامل المتضمنة في انتشارها، وذلك بهدف مواجهة التشابه في عملية الانتشار عبر الجسيمات الهوائية أو القطرات، أو من عبر الاتصال عن طريق الجلد، أو من خلال الاتصال عن طريق سوائل الجسم. ويجري الحجر الصحي لمنع انتشار مرض معدي، إذا اشتبه في إصابة أحد أفراد مجموعة، كالمهاجرين والمسافرين والحجاج بهذا المرض المعدي، فإذا ما تأكدت الإصابة عزلت المجموعة كلها، ومنع اتصالها بالناس، ويجب أن يستمر الحجر مدة حضانة المرض.

وقد قال رسول الله (ص) ‘إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإن كنتم فيها، فلا تخرجوا منها’ وقد كان يطبق الحجر الصحي على جميع القادمين من البحر، خاصة من مناطق الأمراض المعدية.
الحَجْر الصحي والعزل الصحي:

يطبق مفهوم الحَجْر الصحي على نطاق واسع قد يبدأ بإلزام الأفراد المصابين والمشتبه بإصابتهم بعدوى مرضية بالبقاء في منازلهم أو قد يتم على مستوى إقليمي كحجر مناطق معينة وعدم مغادرتها تجنباً لانتشار العدوى بشكل أكبر،أما العزل الصحي فيطبق على مجموعة تحتوي عددا أقل من الأفراد المصابين فقط بعد التأكد من إصابتهم وظهور أعراض المرض عليهم، بحيث يعزلون عن التواصل مع الآخرين وفي كلتا الحالتين يخضع المرضى للمراقبة والعناية الصحية من قبل فريق طبي متخصص بعلاج الأوبئة والسيطرة عليها.
تاريخ الحجر الصحي:
يرجع تاريخ الحجر الصحي في العصر الحديث إلي القرن الخامس عشر الميلادي ، حينما أسست حكومة البندقية محجراً صحياً في عام 1423م على إحدى الجزر القريبة من المدينة ، وأصبح ذلك المحجر أنموذجاً للدول الأخرى.

وفي القرن التاسع عشر ميلادي برزت مشكلة صحية جديدة تمثلت في انتشار وباء الكوليرا الذي وصل أوروبا وأمريكا.
ونتيجة لذلك الاعتقاد اتجهت الدول الأوروبية إلى تأسيس بعض الهيئات الخاصة بالمحاجر الصحية في عدد من الأماكن في العالم العربي ، وعقدت عدة مؤتمرات عالمية لمناقشة الصحة و الحجر الصحي و الأوبئة ، و في عام 1926م انطلقت الإجراءات المتعلقة بالحجر الصحي أثناء الحج.
و وضع العديد من القيود و الشروط على الحجاج و السفن التي تنقلهم و وضع العقوبات للمخالفين . وفي الوقت الذي تم فيه توقيع الاتفاقية الصحية الدولية في عام 1344هـ / 1926م أصبح الحجاز جزءا من الدولة السعودية تحت حكم الملك عبدالعزيز .

و بذلك دخلت المنطقة مرحلة جديدة اتسمت بالنشاط الدائب لتغيير الأوضاع الصحية فيها و للتغلب على المشكلات ، إلي جانب إلغاء تلك القيود التي فرضتها الاتفاقية الدولية .
الحجر الصحي في العهد السعوديك
ارتبط تطور الخدمات الصحية في المملكة في عهد الملك عبدالعزيز بثلاثة عوامل رئيسة كان لها الأثر في سير ذلك التطور و نتائجه ، فالعامل الأول هو الحالة الصحية في الجزيرة العربية التي كانت سيئة بسبب انعدام الخدمات الصحية الضرورية و قلة الإمكانات ،
و العامل الثاني الحج الذى كان له الأثر الكبير في تطور الأوضاع الصحية بسبب وفود أعداد كبيرة من المسلمين من مختلف العالم و اجتماعهم في المشاعر المقدسة و ما يترتب عليه من وجود بعض الامراض و سهولة تنقلها بين الناس وقلة توفر الخدمات الصحية و أما العامل الثالث فيتمثل في مسألة الحجر الصحي الدولي و الإجراءات المرتبطة به أثناء موسم الحج وهو من أهم التحديات التي واجهت الملك عبدالعزيز .

الملك عبدالعزيز وبرنامج تطوير الدولة صحيا:
كانت الأوضاع في منطقة الحجاز متدنية نظراً لعدم وجود الخدمات الصحية الكافية ، رغم توفر المستشفيات الصغيرة التي تم تأسيسها أثناء الحكم العثماني مثل مستشفى القبان و مستشفى أجياد مما أدى إلى إغلاق بعض الأماكن الصحية ، وفي عهد الملك عبدالعزيز كانت الأوضاع الصحية تمثل تحدياً يواجه الملك عبدالعزيز وتم إعطاء الجانب الصحي الأولوية في برنامج تطوير الدولة وشملت الإصلاحات الصحية الإجراءات الإدارية و الأنظمة ، و الاستفادة من خبرات المختصين و إنشاء المشروعات الصحية المختلفة .و من أهم الجوانب الرئيسية لتلك الجهود:

•التنظيم الإداري والقانوني:
بدأ الملك عبدالعزيز جهوده في مجال الصحة باتخاذ الإجراءات الإدارية والتنظيمية المناسبة للرفع من مستواها البنائي أولاً وذلك منذ لحظة دخوله مكة المكرمة ، حيث كلف طبيبه الخاص الدكتور محمود حمدي حمودة بإعادة تنظيم الدوائر الصحية و الإشراف عليها ، حيث قام الدكتور محمود بنشر العديد من التوجيهات و النصائح الصحية و الطبية عبر صحيفة أم القرى ، وقد تم رفع تقرير عام 1343هـ أشارت إليه إدارة الصحة العامة أن الأوضاع كانت مرضية و لكن هناك نقص في الأجهزة و المستشفيات و الأطباء ، و عدم نظافة المياه الذى كان عائقاً كبيراً أمام تحسن الأوضاع ، ومن الخطوات المهمة في هذا الجانب فصل إدارة الكرنتينات (الحجر الصحي) عن مديرية الصحة العامة في عام 1345هـ لإعطائها الاهتمام المطلوب .

وفي عام 1344هـ أصدر الملك عبدالعزيز أمرا بإنشاء ” مديرية الصحة والإسعاف ” و مقرها مكة المكرمة و ربطها بنائب جلالة الملك في الحجاز لأهميتها ، كما تضمن الأمر الملكي المصادقة على ميزانية الصحة العامة وما احتوته من مشروعات صحية جديدة و شراء سيارات للإسعاف، و من ضمن التوجيهات التي أصدرها الملك تدابير تتعلق بالإجراءات الصحية للحجاج . وكان من أهم جوانب التنظيم الإداري للشؤون الصحية في عهد الملك عبدالعزيز إنشاء وزارة خاصة عام 1370هـ و تعين الأمير عبدالله الفيصل وزيراً للصحة .

• الحجر الصحي:
ركز الملك عبدالعزيز في سياسته الإصلاحية للأوضاع الصحية على مسألة الحجر الصحي التي كانت تمثل واحدة من التعقيدات السياسية الخارجية إلى جانب ارتباطها بالحج ، فعندما أمر الملك بفصل إدارة المحاجر الصحية عن مديرية الصحة العامة عين رئيسا لها هو الدكتور يحيى نصري للإشراف على جميع ما يتعلق بالحجر الصحي في منطقة الحجاز خصوصاً و معاينة السفن القادمة والتي تحمل الحجاج المسلمين و غيرهم .

و قد عمل الملك على تطوير المحاجر الصحية و امدادها بكل ما تحتاج إليه من خدمات طبية و صيدلية و أجهزة . ومن الجوانب الصحية المتعلقة بتطوير الحجر الصحي في المملكة في تلك الفترة تأسيس قسم خاص بالجراثيم في مستشفى حكومي بجدة من أجل تدعيم وسائل الوقاية الصحية، كما امتدت الجهود في مجال تطويرها إلي الاستعانة بالخبرة الصحية الأوروبية من حيث الاشراف على المستشفيات و تقديم الاستشارات وهكذا أصبحت المملكة العربية السعودية عضواً في مكتب الصحة الدولي و اتخذت المملكة العديد من الترتيبات اللازمة لعرض رأيها و موقفها من الاتفاقية الصحية الدولية المفروضة عليها بهدف إقناع الدول الأعضاء في المؤتمرات الصحية الدولية للمواقفة على تعديل بنود الاتفاقية التي تتعلق بالحج ،و في عام 1353هـ أصدرت الحكومة السعودية بلاغاً رسمياً بشأن الموافقة على اتفاقية عام 1926م الدولية ، و قبول تطبيقها في المملكة باستثناء حوالي 18 مادة تتعلق بالحج التي تحتفظ الحكومة بحقوقها و رأيها فيها وواصلت الحكومة السعودية مطالبتها بإلغاء الترتيبات الصحية الدولية على الحج بواسطة الصحف المحلية والقنوات الدبلوماسية .

كما وزعت وزارة الخارجية بياناً منشوراً بتوقيع الأمير فيصل على البعثات الدبلوماسية في جدة عام 1354هـ تضمن تقريراً عن الإجراءات الصحية التي اتخذتها الحكومة السعودية في الحج ، و ما أدت إليه من تطور في الوضع الصحي والتقليل من انتشار الأوبئة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *