أرشيف صحيفة البلاد

قطار ( كاشيوبيا اكسبريس ) يسافر .. إلى الباحة

جدة – بخيت طالع الزهراني ..

•• لو قُدّر لك أن تغمض عينيك ثم تفتحهما , وتجد نفسك أمام محطة القطارات بالدمام – على شاطئ الخليج العربي – وفي يدك تذكرة سفر ” رحلة بالقطار ” من الدمام إلى الطائف فالباحة , وأنك خلال بضع ساعات ستجد نفسك منطلقاً من أقصى الشرق السعودي , ميمماً بوجهك شطر الغرب الأوسط ، ثم الجنوب الغربي من البلاد , في رحلة ترفيهية سياحية , تبدأها برؤية صحراء النفود الذهبية ، فمعالم العاصمة الرياض ، ثم كامل الخط العرضي لنجد النسائم والنسيم ، فمرابع الطائف المأنوس ، إلى أن تحلق بك عربات القطار فوق جبال السروات الشاهقة ، مرة داخل أنفاق تخترق الجبال , ومرة أخرى على سفوحها المتشحة بأشجار العرعر، حتى تحط رحالك داخل مدينة الباحة , مرورا بعدد من البلدات والقرى .
•• ربما يقول أحدكم لماذا هذا الخيال , وكيف نشأ ؟.. وأقول لكم منذ أسابيع كنت في القنصلية اليابانية بجدة في مناسبة صحفية ، وعندما هممنا بالخروج ، كان عدد من موظفي القنصلية يوزعون علينا بعض الكتيبات ، ووجدت بينها واحداً عنوانه ” تجول بالقطار عبر اليابان ” وقد أثارتني مادة الكتاب وصوره المرافقة ، حيث مجموعة الجزر اليابانية بشواطئها وجسورها وأشجارها وقطاراتها , التي شكلت العمود الفقري للمواصلات في ذلك البلد ، الذي قفز إلى بؤرة العالم ، وصار يشكل ثاني اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة .
•• دعوني أحدثكم بحكاية ” النوم الفاخر ” في قطار ” كاشيوبيا اكسبريس ” الذي تبدأ رحلاته عند الرابعة عصراً ، ثم تستمر طيلة الليل ، إلى أن تنتهي الرحلة عند الثامنة صباحاً ، بعد سبعة عشر ساعة من السفر (هو ليس قطاراً سريعاً) ولكنه يصلح لعشاق العودة للماضي ولتجربة العصر الذهبي لقطارات السكة الحديد القديمة ، لكنه مع ذلك يقطع مسافة 1200 كم وسط أجواء من الفخامة والمتعة ، وأغلب ركابه إما عرسان جدد , أو كبار السن ممن يريدون استعادة جزء من روعة الماضي ، ويوفر هذا القطار أجنحة , الواحد منها يتألف من صالون وحجرة نوم ديلوكس أو حجرة بسريرين ، وليس فيه مقاعد عادية ، والراكب يصعد إلى الحجرة العلوية لمشاهد مناظر الطريق ، وعندما يشعر بالنوم يهبط إلى حجرة النوم المزودة بدش للاغتسال ، ومرحاض ، وحوض غسيل، ومناشف وأردية بسيطة داخل حجراته ، وتلفون ، وتلفزيون بقنوات فضائية , وجرسونات يحضرون لك القهوة والطعام الذي تشتهيه .
•• أما النوع الثاني من القطارات فهو (شنكنسن اليابان) أو ” القطار – الطلقة ” والذي بدأ الخدمة عام 1964م خلال استضافة اليابان للأولمبياد الصيفي ، فكان ذلك هو الحدث المذهل الذي قدمته اليابان للعالم , على هامش ذلك الحدث الرياضي ، وسرعته تصل إلى 300كم/ ساعة بعد التطويرات التي أحدثت فيه مؤخراً، ويمتاز بزيادة خيالية لنقل سرعته , من حالة السكون إلى سرعة 270كم/ساعة خلال ثلاث دقائق فقط ، وتصميمه يبدو مثل طائر مفرود الجناحين .
•• وبقي أن أحدثكم عن مغزى هذا المقال , فأقول : انه خلال كتابتي لهذه السطور عشت معاناة عدد من الأصدقاء ( في موقف يتكرر كثيرا لكل واحد منا ) فعندما توفي أحد الناس في الرياض أراد أقاربه وأحبابه اللحاق بصلاة الميت , قادمين من جدة والباحة وغيرهما .. ولم يجد احد منهم حجزاً فورياً على الطيران ، لأن ذلك ( من سابع المستحيلات) حتى مع وجود الواسطة , فما هو الحل لموقف كهذا وأمثاله ؟.
•• الحل في نظري .. هو في إقامة شبكة قطارات واسعة وسريعة ، تشمل كل أرجاء بلادنا , من شرقها إلى غربها ، ومن شمالها إلى جنوبها , خصوصاً وأننا قد تأخرنا كثيراً في هذه الناحية ، وبلادنا أشبه ما تكون بالقارة ، ولن يخدم ظروف الناس – الطارئة وغير الطارئة – إلا وجود مواصلات سريعة وآمنة , مثل القطارات الحديثة , كتلك الموجودة في اليابان وغيرها .
•• وزارة النقل عندنا تعكف الآن على وضع اللبنة الأولى لعصر القطارات السعودية الحديثة ، من خلال مشروع ” الجسر البري ” الذي سيربط جدة بالرياض , وكنت مثل غيري فرحاً وأنا أسمع مخاض ولادة هذا الحدث السعيد ، والذي أرجو أن يرى النور قريباً ، وأن ترافقه التفاتة قوية , لهذا النوع من وسائل المواصلات , وفق رؤية إستراتيجية , يقطف ثمارها المجتمع عما قريب ، بحيث يمكن لأحدنا أن يصل إلى أي بقعة من بلاده , في اللحظة التي يريدها سواء عند الظروف الطارئة ، أو للسياحة ، أو لنقل البضائع والمسافرين ، بدلاً من الأسلوب التقليدي الحالي , طائرات بحجز مسبق وقبل عدة أيام , أو سفر بالسيارة بكل معاناته وطول وقت رحلته وحوادثه المفجعة.
•• رمن يدري .. فقد يصبح خيالي هذا حقيقة , ونسافر من الشمال السعودي مثلا إلى أقصى الجنوب في ظرف ساعات قليلة , دون عناء هموم ” حجز الطيران ” الذي لا يخدم الظروف الطارئة للناس؟.