الأرشيف ثقافة

في ورشة عمل كتابة الرواية العاطفية بدولة الكويت.. الناقد محمد العباس: الكتابة الحقيقية هي أن تمحو أكثر مما تكتب

كتب: أحمد بن عايدة
العاطفة، هي ذلك العطش الذي مزّق العدم ولفظ الكون، لأنه لا بد من المزيد. هي الغيرة. هي الفضول الذي علِقَ في بلعوم آدم. هي حسرة آدم. العاطفة هي قلق المدرك، وغبطة الساذج. هي خوف المؤمن، ودهشة الطفل. هي إحباط المجتهد، وجنون المعجزة. العاطفة هي 1 + 1 يساوي ثلاثة. العاطفة هي الإنسان.
«الكتابة الحقيقية هي أن تمحو أكثر مما تكتب.»
بهذه العبارة استهلّ الناقد محمد العباس اليوم الأول من ورشة عمل كتابة الرواية العاطفية. دورة كتابية شيّدها مشروع تكوين الذي يرنو أبدًا نحو خلق بيئة مشجّعة لدعم الكتابة الإبداعية.
«العاطفة عصب الرواية، بل هي سيّدة السرد.» وقبل أن يقوم الأستاذ بتعريف العاطفة، طرق قلوب الحضور ليزفروا تصوّراتهم عنها. لتتشرّب قاعة رابطة الأدباء الحرارة الضرورية للانطلاق. وكان ذلك أول تمرين بوغت فيه الحضور.
ومن ثم مضى الأستاذ محمد العباس في مناقشة تاريخ الرواية العاطفية، مختزلًا أهميتها العصية على النسيان في أن «التاريخ لا يخلّد سوى قصص العشق، إذ أن الحقائق المتعلقة بالحب تشكّل جزءًا حيويًا من الحقيقة الحياتية الكبرى.» ولكي نمد الخطوة الأولى نحو فهم الحقيقة الكبرى، كان لا بد من تفصيل عناصر الأدب القصصي. ابتداءً بتسلّق “هرم فريتغ” وهو بمثابة النوتة الموسيقية التي يرتّب العازف على خطوطها ما شاء من النغمات المتصاعدة والمنخفضة. وقد عرض الأستاذ محمد العباس الأشكال المغايرة لهذا الهرم الذي كان الأساس الذي تسلّقته الروايات عبر العصور، شارحًا اختلافاتها وتطوّرها الأدبي والتاريخي. وأضاء الروائي الكويتي سعود السنعوسي قاعة المحاضرة بروحه المرحة في مداخلة ارتجالية حيث عبّر عن تجربته في كتابة رواية «ساق البامبو» التي امتطت عرش البوكر العربي لسنة 2013.وقد شارك الجمع وإيّاه في محاولة تفصيل رواية «ساق البامبو» وتلبيسها هرم فيرتغ من حيث تصاعد الأحداث وهبوطها وعقدة الشخصيات وانحلالها. مضت الورشة بعد ذلك في مناقشة رواية «فالس الوداع» للكاتب التشيكي ميلان كونديرا. وقد كانت فالس كونديرا هي الرقصة التي اُختيرت ليتهادى تلاميذ الورشة حولها على مدى خمسة أيام. فجاء الجميع بمعاونة الناقد على فهم الرواية من أصغر تفاصيلها إلى أعظم أفكارها. بشكل مجموعات، كان أول تمرين عبارة عن إخضاع الرواية لهرم فيرتغ. فتقوم كل مجموعة بوضع الشخصيات والحبكة على السبورة في محاولة لفهم عقدها ودوافعها. ومن ثم تم مناقشة الفروقات التي انتهت إليها كل من الفرق. «لا حبكة دون شخصية.» في اليوم الثاني من الدورة احتلت الشخصية طاولة التشريح. حيث تمت مناقشة مفاهيمها ووظيفتها في الرواية. تطوّرها وانتماءاتها. تقنيات خلقها ومصادر التقاطها، إن كان من ذات الكاتب أم شخوص حقيقيين أو الخيال المحض. وهكذا وجدت المجموعات نفسها في تمرين مدهش يتضمن خلق شخصية من الناحية الشكلية والفسيولوجية. وعرضها بعد ذلك على الجميع لتلقّي التعليقات والانتقادات. «أنا ميّت. جثة في قعر جب. مضى كثير من الوقت على لفظي نفسي الأخير.» إن الافتتاحيات الروائية بمثابة الثواني الخمس الأولى من مكالمة موظفة الإعلانات التي تحاول الاستئثار بك قبل أن تقفل الخط في وجهها.
وقد تم استعراض افتتاحية أشهر الروايات لتوضيح مدى تأثيرها وعناصر كتابتها: تضمين الشخصية الرئيسية، ومزج ذلك برغباتها وصراعاتها. تأطير ثيمة الرواية بشكل مركّز. واحتمالات أخرى، مثل البدء بحوار، أو وصف مشهد خارجي معززًا بذلك أجواء الرواية. «الجملة الأولى في الرواية هي جملة (رحمِيّة) منها تتولّد بقية الرواية» على خطى موظفة الإعلانات، مضى التلامذة في كتابة جملة افتتاحية في محاولة لتضمين جميع العناصر والسمات الخاصة بها، مستخدمين بذلك الشخصية التي تم تأسيسها خلال التمرين السابق.
«الحكاية هي مادة القصّة، أما الحبكة فهي النظام الذي يشدّ أجزاء الحدث.»
في اليوم الثالث، دارت الدورة حول حبكة الرواية. واستطاع الجمع النفاذ إلى أعماقها عبر مداخل سريّة غير خفيّة عن بصيرة الناقد محمد العباس، قائد هذه المغامرة الاستكشافية. وتصويب الضوء على مفهوم الحبكة الرئيسية والفرعية، تداخلاتها وتأثيرها وتعدد أصنافها. والقفز من بعد ذلك نحو الحوافز، تتبّع فتيلة الشخصية وفهم دوافعها. وعلى ذلك، في تمرين آخر، قامت المجموعات بخلق دوافع للشخصية بناءً على المفاهيم والشروحات التي تمت مناقشتها.
ومن ثم كان موضوع اليوم الثالث يتمحور حول الحوار في الرواية ومتعلقاته، وفي الرواية العاطفية خصوصًا. من حيث الوظائف والتقنيات والمستلزمات. «الحوار محكوم بحاجة النص في رسم الشخصية والحدث.» وقد شاركت القاصة الكويتية منى الشمري في مداخلة ارتجالية لطيفة حيث شرحت إحدى النقاط المتعلقة بمصادر العاطفة مستعينة بأمثلة من قصصها.
وفي اليوم الأخير من الورشة، بعد التطرق إلى مفهوم الإيقاع في الرواية، من حيث دقّته وأهميته في العمل وضرورة ارتباطه بمضمون القصة، وبعد الانتقال إلى المحرّمات الفنية للرواية العاطفية، على هذا النحو، اختتمت الورشة رقصتها التي امتدت لخمسة أيام متواصلة في قاعة رابطة الأدباء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *