متابعات

في مركاز (حافة) طنجة

من الحافة في مدينة طنجة المغربية. تأملت ذلك المكان البلدي بكل زواياه.. ورواياته.. ورجاله الذين من عبقه الذي تفوح منه رائحة الزمن العتيق.. وملامح.. ماء المغرب والمهجر العربي.. من هنا من الحافة التي زرتها للمرة الاولى رأيت في ذاكرتي الأديب الراحل محمد شكري.. والطاهر بن جلون والشاعر العربي الكبير الذي رحل الأسبوع الماضي الاستاذ محمد الفيتوري يرحمه الله.
الفيتوري الذي غادر هذه الدنيا دون هوية ولا ثروة.. الا من قصص عشق تخاطب المكان والناس والزمان وترسم مشهد الليل حين يقترب معانقاً جبال الأطلسي وانقسامات البحار في توزيع أضواء تختصر انعكاسات الرؤية في لوحة الجمال وصياغة العبارة.

تلك “الحافة” الطنجاوية التي قال عنها الاستاذ الطاهر بن جلون. في راويته “ان ترحل” انها جزء من طنجة التي يتحول مقهاها خلال فصل الشتاء الى مرصد للأحلام وتبعاتها.. وكأن قطط المصاطب والمقبرة.. وفرن الخبز الكبير في فرشات تجتمع فيها لكي تشاهد العرض الذي يخيم على صمت المكان.. أقداح الشاي بالنعناع.. والشيشة المغربية تنقل من طاولة الى اخرى.
وفي اخر احدى الردهات منكبون على اعداد الوصفة التي تشرع أبواب الرحلة.. أحدهم ينتقي الأوراق.. ويفرمها برشاشة وحزم وآخرون يجلسون على حصر “ساديني” ظهورهم الى الجدار.. وعيونهم شاخصة نحو الأفق بحثاً عن أقدارهم.. يتطلعون الى البحر والى الغيوم التي تختلط بالجبال.. منتظرين تلألؤ الأنوار الأولى من جهة أسبانيا. يتتبعونها من دون أن يبصروها. وأحياناً يبصرونها مكتنفة بالضباب والطقس الغائم. الرجال الجالسون هنا يعرفون بعضهم بعضاً غير أنهم لا يتبادلون الأحاديث.. معظمهم من أهالي الحي نفسه ولا يملكون الا ما يسددون به من ثمن قدح الشاي و”شيشة” الكيف بعضهم له في المقهى حساب لقيد ديونه.
هكذا كان يقول عنها الطاهر بن جلون حين يتحدث عن طنجة.. تلك المدينة الحالمة على ضفاف شواطئ الأبيض والأطلسي في هدوء يستدعي مشاعر تسبح في فضاء الكلمة.. وتكتب الحزن والفرح. وتستشرف مستقبلاً على كف عفريت قد يأتي وقد لا يأتي.. وقد تجتاحه عاصفة تعبر مضيق جبل طارق القريب.. ومليلة التي تقبع بهويتها العربية داخل نطاق اسباني صادر من مجتمعها كل شيء إلا الحنين.. واليتم.. وكلمات مازالت تنطلق اللغة العربية.. رغم قسوة اعتقالها من قوة اجنبية.. فرضت عليها العزلة القهرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *