أرشيف صحيفة البلاد

غيرُكَ أنتَ وأنا..!!؟

قبلَ أنْ تأْتيَ الأمْكِنة
إلى «باد غريسباخ»،

نترُكُ خُطُواتِنا على الرَّملِ،
على الثّلجِ،
على الماءِ….

يا إلهيْ كيفَ أنّنا لم نَنتبِهْ أبداً
في أيِّ الاتِّجاهاتِ كُنّا نترُكُ أقدامَنا.
****
سالَ ماءُ النّهْرِ على خُطُواتِنا المَجروحةِ
آلمَها دُونَ أنْ يَدريَ
آلمَنا أكثرَ
لأنّهُ لم يكترِثْ بها
ولم ينتبه أنها
الأثرُ الوحيدُ لنا
كيْ نعودَ إلى
بيوتِنا.
**
السَّحابةُ تقدّمَتْ أمامَ الطّائِرِ
كان يُحلِّقُ خلفَها كأنّها أُمُّهُ
وكُنّا خلفَهُ
نظُنُّهُ طِفْلَنا
نتْبعُهُ
كأنّهُ مُخَلِّصُنا
يسقُطُ المطرُ
ونسقُطُ معَهُ كالحُزنِ.
****
غرَّرَ بِنا المَساءُ كُلِّنا
هدَمتْنا الأحلامُ ونحنُ
ما زلْنا في أوّلِ اللّيلِ
خلفَهُ نسيرُ
خلفَ كُلِّ ذلكَ اللّيلِ.
****
في ساحةِ «باد غريسباخ»
هزَّ الصّبيُّ بِصَرَخاتِهِ الصّمْتَ
فيما يَقذِفُ الأشْجارَ بالأحْجارِ
طلَبَ مِنَ الرِّيحِ أنْ تَخرَسَ
مِنَ الثّلْجِ أنْ يذهبَ إلى الجَحيمِ
كانَتْ أُمُّهُ في إِحدى الزّوايا
تَنجرِفُ في ثُمالَتِها
وتُتمْتِمُ بينَ دُخانِ سجائِرِها:
لا تكُنْ سخيفاً يا «باتريك»
ثمّ فتحتْ كيساً وَضعَهُ أحدُ المارّةِ بجانِبِها
أكلَتْ بلا ضَوضاءَ
ثمّ قامَتْ تتّكِئُ على الهواءِ الباردِ
ونَهضَ يَسيرُ في إِثْرِ أُمّهِ.
لا أحدَ رأى «باتريك» ولا أمَّهُ…
بعدَ ذلكَ المساءِ
اِخْتفتْ خُطُواتُهما في الحِكايةِ
قيل: إنّ «باد غريسباخ» لا تُؤْوي الفُقراءَ.
******
كَرزُ الأيامِ الأسْودُ
وَالآنَ أَيُمكِنُنيْ أنْ أَذهبَ ؟
أَحمِلُ سلـَّتيْ منْ
كَرَزِ الأيامِ الأَسْودِ
وتُوتِ الفجرِ الدَّاكِنِ ؟
أَأَذْهبُ بِهذه الباقةِ مِنَ الآلامِ التي
مَنحـَتْنيْ إيّاها السَنَواتُ مُدَّعِيةً أنّها
ستُعينُنيْ لأكونَ رُوحاً طَيِّبةً
فلا أَجرَحُ الهواءَ
ولا أَخدِشُ شُعورَ الكائِناتِ؟
هلْ صارتْ أَصابِعيْ خَبيرةً بمَواضِعِها
على الجُدْرانِ حينَ أَسيرُ مُغْمَضةَ العينَينِ
أَيُمْكنُنيْ تَعَلُّمُ فَتْحِ خزائنِ الحِكْمةِ
ومُناداتُكَ مِنَ الغيابِ؟
أوْ الاخْتِفاءُ في وَمْضةِ نجمةِ الرّاعيْ
وَالاحْتِراقُ بِرمادِها؟
وهذا المَساءُ الذي هُناكَ
ألم يَترُكْ شيئاً على الأشجارِ ليْ
هل أضَعتُ حاسّةَ المَعرفةِ
أم سرقوا مِنّيْ مَفاتيحَ الليلِ
أم أنّ شيئاً انْتثرَ في الهَواءِ
قبلَ أنْ أَتَحصَّنَ مِنْ سِحرِهِ
هل بَقِيَتْ خُطُواتيْ أكثرَ
ممّا ينْبغيْ على الرّملِ
فتَأخّرَتِ العاصِفةُ
وأفسدَ الصّباحُ الْجُزءَ المُتبقِّيَ
مِنَ النّوايا؟
ماذا حدَثَ
حينَ غَفَوْتُ قبلَ أنْ أذهبَ
إلى المَرْفأ؟
قبل أنْ أَحمِلَ سلـّتيْ منْ
كَرَزِ الأيّامِ الدّاكِنِ
أينَ وضعَتْنيْ الْمُفْتَرَقاتُ؟
ماذا سقَطَ أيضاً في مُنتصَفِ
المسافةِ غَيرُ كلماتِ القصائِدِ
غيرُ الحُبِّ مِنْ جَوفِ القلبِ
غيرُ النّهارِ مِنَ الليلِ
غيرُكَ أنتَ وأنا؟.
شعر: نجوم الغانم