جدة ــ البلاد
في سكون الليل سحب كرسيه الوثير بمكتبه الأنيق المطلة على نافذ زجاجية واسعة الامتداد على احد اشهر معالم مدينة نيويورك الأميركية، جلس قليلا متأملا الهدوء من حوله والصمت يلف المكان وما لبث الا برهة قبل ان يسحب قلمه ذي الماركة الألمانية الذي اهدي له بمناسبة توليه مهام منصبه.
اخذ يخط ما خيل له انها وقائع على ارض المعركة التي يسجل فيها ابطال مجهولون كل يوم بطولات دفاعية عن ارادة شعب شقيق، ملاحم ليس فقط في ميادين القتال وانما ايضا في ميادين الأعمال الإنسانية، الا ان هذا القلم الذي فقا عين ضميره وابحر بصاحبه انطونيو في رحلة من المعلومات المضللة، مهيا له انه انجز المهمة على اكمل وجه دون ان يدرك الأخير الخطا الذي وقع فيه الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة وهو يكيل بموازين غير سوية احكامه التي يسوقها في تقاريره.
فمن ازمات اللاجئين الهاربين من الحروب في بلادهم والاضطهاد والذين زادت اعدادهم خلال العام الجاري منذ بداية تولي غوتيريس أعمال منصبه لتكتظ بهم الحدود والمخيمات إلى ازمة نووي كوريا الشمالية ، التي باتت تنذر بكارثة صدام نووي، وعجز المنظمة الدولية عن وقف التطهير العرقي الذي تتعرض له اقلية الروهينغا في ميانمار، واخيرا إلى وقف غوتيريس صامتا امام موجات العنف التي تشهدها بعض الأقاليم الداعية للانفصال عن حدود دولها كاقليم كتالونيا الأساني، ازمات لم تجد من الأمين العام للمنظمة الدولية حلا لنهايتها.
وعلى الرغم من التزام تحالف الدفاع عن الشرعية اليمنية الذي تقود عملياته المملكة العربية السعودية، بكافة بنود المعاهدات والمواثيق الدولية فيما يتعلق بمناطق النزاعات والصراعات العسكرية والتعاون الذي تبديه قيادة التحالف على كافة المستويات لعناصر الأمم المتحدة في الدخول للمناطق التي تحت سيطرة قوات الشرعية على عكس الوضع تمامًا في المناطق التي تحت سيطرة ميلشيا الحوثي وصالح الانقلابية التي رفضت إدخال حتى المساعدات الطبية والإغاثية والإنسانية لأبناء الشعب اليمني الذي تعاني نسبة كبيرة منه أمراض مثل وباء الكوليرا الذي تفشى نتيجة الإهمال، كل تلك الحقائق لم تمنع السيد غوتيريس،من إصراره على إدراج التحالف في سجل الإدانة .
صناعة الازمات :
رحلة من الإخفاقات والأزمات التي زادت مع وصول، رئيس وزراء البرتغال السابق من1995 حتى 2002، أنطونيو غوتيريس إلى كرسي الأمانة العامة للمنظمة الدولية خلفًا لسلفه الكوري الجنوبي بان كي مون الذي ما انفك هو الآخر طوال فترة أمانته (8 أعوام) عن الإعراب عن شعوره بالقلق حيال كافة الأزمات الدولية، بيد أن الأمين العام الحالي زاد على قلق مون المصاحب لبيانات المنظمة اتهامات عمياء، تلقى جزافًا تحت وطأة التهديدات السياسية وسحب المساعدات المالية، السلاح الذي استخدمته واشنطن.دي.سي، عاصمة الولايات المتحدة الأميركية، معه لسحب ووقف أي مشروع تصويت ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن هددته بوقف مساعداتها المالية للمنظمة.
الدور الريادي الذي تتبوأه المملكة اليوم تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين، هو ربما ما يدفع البعض لكيل الاتهامات دون دليل.
البيروقراطية التي تحدث بها السيد غوتيريس في مؤتمر صحفي له، في 18 سبتمبر الماضي، مشيرًا إلى أنها تعيق عمل الأمم المتحدة، اتضح للعالم كله أنها ليست سوى أزمة من الفساد الذي نخر جسد المنظمة الدولية ذات الـ77 عامًا، تجسد في أزمات سياسية مفتعلة ضاقت بها القاعة الرئيسية ودهاليز المنظمة العجوز وكادت رائحة الازدواجية أن تخنق الجميع، ربما هو ما دعا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى السعي –مؤخرًا- لحشد دعم عالمي لاعتماد –ما وصفها- بخطة إصلاح المنظمة الدولية”، إبان استضافتها اجتماعا أمميًا في مقرها الدائم بمدينة نيويورك في سبتمبر الماضي.
ربما نسي أو تناسى الأمر سيان أمين عام صناعة الأزمات بصمته وتقاريره المبنية على معلومات مغلوطة، أن يطّلع على آخر الإحصائيات الدولية التي كشفت حجم المساعدات الإنسانية التي تقدمها السعودية لليمن، للحفاظ على وحدته واستقراره وإرداة شعبه، ففي الوقت الذي انتهى مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية من المرحلة الأولى من برنامج إعادة تأهيل الأطفال الذين جندتهم الميليشيات الحوثية ضمن برامج قطاع الحماية للفئات الأكثر ضعفًا في اليمن ، وصلت الأمم المتحدة إلى أدنى مستويات الأداء بعد أن أدرجت التحالف العربي في تقريرها المضلل.
تعاقب على الفشل :
وللأمانة لم تعد الأمم المتحدة تفاجئنا بتخبطاتها بقدر ما هي المفارقة الساخرة أن تكون المفاجأة هي أن نسمع أنها قامت بعمل جيد أو حققت منجزاً إنسانياً.. فهي ورغم ما يُفترض أن تمثل الضمير الإنساني ومنصّة العدل والإنصاف إلا أنها تصر أن تبقى الوجه الشاحب المستنكر الهزيل، وإن خرجت فهي خلف الأقنعة والبيانات الهزيلة.
حتى مع تعاقب الأمناء عليها إلا أنها تدهشنا حقاً أنها تعمل بـ “مأسسة” تصر على التخبط فلم ينجح أيّ أمين لها غالباً في تغيير جزءٍ من الصورة الهشة، ولعل آخرهم جوتيريس الذي يبدو أنه جاء ليضيف نفسه إلى قائمة قد يمر بها التاريخ مرور الكرام.
إن بيان التقرير الأممي الذي صدر عن المنظمة الأممية عن أطفال اليمن لا يمكن بأي حال أن نصفه إلا بأنه مضللٌ بامتياز، وأنه لم يكن إلا ظلاً لبيانات الانقلابيين الحوثيين حيث يمكن القول إن مصادر الأمم المتحدة هي – مع الأسف – تقتبس من منابر الانقلابيين والارهابيين.
تخبط :
في الوقت الذي تشهد فيه منظمة “الأمم المتحدة” تخبطا ملحوظا في سياساتها الدولية، وتقزيما كبيرا لدورها على يد أمينها العام البرتغالي أنطونيو غوتيرتس منذ توليه المنصب مطلع العام الجاري، أكد مختصون ومحللون سياسيون، أن المنظمة الأممية أصبحت رهينة للتقارير المغلوطة، ولا سيما بعد أن أدرجت التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن على قائمتها، بناء على معلومات من جهات ومصادر غير موثوقة ومعلومات وأرقام غير دقيقة ومضللة”.. هكذا وصف سفير المملكة لدى الأمم المتحدة، عبدالله المعلمي، محتوى التقرير السنوي الصادر عن الأمم المتحدة بشأن اليمن.
لم يكن تعليق المعلمي سوى أكثر الردود تهذيباً على سيل من المغالطات والأضاليل أوردها التقرير، إلى حد الزعم بأن “التحالف” مسؤول عن 683 حالة إصابة لأطفال، في مقابل مسؤولية الحوثيين وميليشياتهم عن 414 إصابة العام الجاري (2017)، بما يعني تحميل المملكة وحلفائها من داعمي الشرعية ضد الانقلاب مسؤولية الانتهاكات الحقوقية والأوضاع الإنسانية المأساوية في اليمن، بحسب مراقبين.
وفق هذه الأباطيل، تحول الجاني إلى ضحية، ونصير المظلوم إلى قاتل، حتى بات “دعم الشرعية” ضمن قائمة، تضم أنصار الحوثي وتنظيمي داعش والقاعدة، وتتناقض مع اعتراف التقرير ذاته بتحسن كبير في إجراءات التحالف لحماية الأطفال اليمنيين
كيف اجتمع النقيضان في محتوى واحد؟ تصريح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بشأن “هدف إصدار التقرير” تقدم مقاربة الإجابة على هذا السؤال. قال أمين الأمم المتحدة إن الهدف من هذا التقرير السنوي هو “حض الأطراف المتحاربين على اتخاذ إجراءات للحد من عواقب النزاعات على الأطفال”، بما يعني توجيه المحتوى من سياقه الحقوقي الطبيعي إلى آخر سياسي بهدف “الضغط” على مختلف أطراف الأزمة اليمنية، ووضعها جميعاً على قدم المساواة، وفي صورة المنتهك المجرم، أمام المجتمع الدولي.
وإزاء هذا التسييس المتعمد للتقرير، يفترض أنه حقوقي بامتياز، اختفى تماماً مفهوم “الشرعية” التي طالما مثلتها مواثيق الأمم المتحدة، فصار من يقاتل لفرض سلطة انقلابية بقوة السلاح، ومن يقاتل، في المقابل، للدفاع عن الشرعية سواءً بسواء في ميزان غوتيريس الأعوج
كثيرون من دبلوماسيي العالم عبروا عن تفاؤلهم بتسمية غوتيريس في بداية عهده، خاصة بعد إظهاره تقارباً مع ثقافة وقضايا شعوب المنطقة العربية والإسلامية، لكن يبدو أن ذلك لم يكن سوى “صنعة الساسة” التي لم يكن يجيدها سلفه، بان كي مون، ولذا قرر رفض إدراج مماثل لقائمة تم إرفاقه بالتقرير السنوي عن الأطفال والنزاعات لعام 2015.
ربما لم يكون “كي مون” بالفعالية المطلوبة، لكنه لم يستهدف تلوين التقارير لممارسة الضغط على مختلف أطراف النزاع اليمن دون النظر إلى شرعية أي منها.
فهل أثبتت هكذا سياسة نجاعة باتجاه حل الأزمة؟ واقع الأمر أن الأزمة استفحلت وزادت تعقيداً، إذ لم يستطع غوتيريس إعادة الهيبة للمنظمة الأممية، وعاد إلى مرحلة التخبط والانهزامية عندما أهمل الاستناد إلى القرار الأممي ٢٢١٦ كمرتكز رئيس لحل النزاع اليمني، وتعاطى معه وكأنه “مشاجرة” في أحد الشوارع.
سقطت ورقة التوت عن هكذا مسيرة منذ تجاهل هذه المنظمات للحكومة الشرعية في اليمن وعدم اهتمامها بمساعدة المناطق الخاضعة للسلطة الشرعية أو إجراء أي زيارات لعدن، في المقابل التعامل بشكل فعال ومتواصل مع الانقلابيين والتعاون مع مؤسساتهم في إيصال المساعدات.