أرشيف صحيفة البلاد

عن نص وداع(39) لعبد الواحد الزهراني.. الغامدي: ربط الوداع بالليل..بشرى بصباحٍ مشرق

رؤية – ماجد الغامدي

في منعرج السنوات ومنعطف العمر وقد عَبَر الشاعر أدغال الحياة التي أَنْسَتْهُ حدائقَ البهجة فيصعد سُلّمَ الرُشد ويشعل سراج الروح ليسيل شلال الضوء فلسفةً ورؤىً ، وربط الوداع بالليل يحمل بصيص بشرى بصباحٍ مشرق ، وإن أُولِجَ نهارُ (الهوجاس) في ليلِ (القلق).يودّع الشاعر فترة زمنية بأحداثها وطقوسها وربما شخصياتها ،

وهو في الحقيقة يودع طريقة التعامل و أسلوب التعايش والتعاطي مع الأحداث ، فإن ودّع تلك المرحلة فهو بلا شك يحتفظ منها بخلاصة التجربة وثمرة التفَكُّر التي يسكب من رحيقِ أزهارها سُلافَ الرأي في كؤوس الحكمة.الاستهلال الملفت يعكس خضم المشاعر التي تعتملُ في نفسه ، فهو يركز على الوداع بينما يتجاهل الاحتفال بدخول مرحلة جديدة: (صبح الثلاثاء ينتهي عرس الاثنين)ليغسل برذاذ الحكمة غابة التوجّس التي سار دروبها الوَعِرة ، فلا يرى الوداع حزيناً فقد امتزجت فيه حسرةُ وداعِ الصِبا وصوتُ ناقوسِ نذيرِ الشَيب برياضِ العقلِ و قَيْدِ النُضجِ وأزهارِالحكمةِ التي تضوعت بشذى الرُشد.
عمرٍ نهب بيسار مااعطاك بيمين
لايحرم الضامي ولايملي الكاس..
سجين وين آنا وحريتي وين
وآشوف وضع الناس وآقول لاباس..
الناس في الدنيا مجرد مساجين
الدهر عيّنهم على بعض حراس..
كم يفسد الزيتون مايصلح التين
وكم شجرةٍ يصنع من اغضانها فاس..
ثم يَقِفُ (السجين) رهينَ محابسٍ شتّى لممارسة بعض الحُريّة بكتابة الشعر بحبرِ الدِراية وريشةِ الاتّزان (فالطمأنينة تقضي على كل وسواس )، فلم يكن الباعث نظرةً سوداوية فلا يزال مصباح الأمل يضوي ليلَ الحِيرة إنما لتسارع الأحداث وزحمة المشاهد وتباين العناوين والمدلولات في (فهرس الروح) ، وما تحمل معانيه من وخزات قد تُغني عن نصلِ النقد (والسكين تخدم النافعي) كما يقولون ،وإلاّ فهو القادر بياناً أن يذيب طوفانُ حِممه الشعريةِ جبالَ الرصاصِ الجاثمة التي اعتاد متبلدوا الحِس على تقبّلِها والرضوخِ لها ( على الراس والعين) مع أن العين هي التي ترى والرأس هو الذي يحلل ويميز ولكن طينَ الانصياعِ لا يشابه ياقوتَ التشظّي وألماسَ الإشعاع.القصيدة تزخر بالمعاني الراشدة والسياقات الحكيمة في جلالِ تصوير و رؤىً موغِلة في العُمق يُحجمُ عنها القلم وإن أدركَ حجمَ الألم.
الدهر عيّنهم على بعض حراس../
كم يفسد (الزيتون) مايصلح التين/
واخطر بقاع العالم العين والراس../
وآنا غني وآنا على وشك الافلاس../
لو كنت لاقي (للحقايق) براهين .
القصيدة من العيار النادر، فخمة العبارة رصينة الأسلوب وشاعرها ألمعيّ الرؤى عبقريّ البوح.