أرشيف صحيفة البلاد

عن العشاق سالوني ( 4 )

شيرين الزين

– 1 – من 2

( للصبر حدود )
– إلي أين تريدين الذهاب سيدتي؟
– دار الأوبرا.
شغل السائق المحرك, وانطلقت السيارة تلتهم الشوارع ببطء. بعينيها الجميلتين,راحت تغسل
أرصفة علتها الاتربة, وأفسدت وجه المدينة التي تحب.
في حركة اعتيادية, مد السائق يده إلي المذياع.
(ماتصبرنيش بوعود وكلام معسول وعهود
انا ياما صبرت زمان على نار وعذاب وهوان
وهي غلطة ومش ح تعود )
فجأة , بدأت تنكمش في مقعدها وتتضآءل , كأنما تريد أن تهرب من عالم يفضحه
لها زجاج السيارة.ألقت برأسها الصغير إلي الخلف, مطلقة تنهيدة يكاد يتشقق
لها الصدر.
كانت لطيفة,مؤدبة مع الجيران ,ما أن تقع عليها العين, حتى يحس الصدر بالانشراح.
وهبها الله كل ما تحتاجه الانثى من جمال, وخلق, وحسب, ونسب.
هي وحيدة والديها. لذا أغدق عليها الجميع من حبهم, وعطفهم, وحنانهم…فكانت الملكة.
تذكرت فرحتها باكتشافها لعالم جديد, حينما اصطحبتها أول يوم لها في الجامعة.
هناك على ناصية القدر كان ينتظرها.
شاب من عالم متفتح, على عكس عائلتها المحافظة.وسيم,أنيق,يحسن اختيار كلماته وهو يعد العدة لغزو قلب أنثى.
لم تكن تعرف من عالم الذكور غير أفراد أسرتها, وجيرانها.وفي لحظة غفلة, وانجذاب تعلقت به, وهو من كان في عامه الجامعي الأخير.
كان خبيرا بالكلام, وسرقة قلوب الحسناوات.وكانت المكتشفة للحياة, والعالم الخارجي.
اختار إن يدخل البيت من أوسع أبوابه. ودون مقدمات, عرض عليها زيارة والديها لخطبتها.
لم تصدق نفسها, ولعبت الأحلام بعقلها الصغير, وراحت ترسم في خيالها الطفولي البريء أجمل الصور الوردية.
لم تتردد في اخبار والديها بالأمر, لانها تربت على الصراحة, والصدق وسط اسرتها.
نظر الأب مليا الى عيني فلذة كبده, ثم راح يسالها:
-هل تعرفين شيئا عن عائلته يابنيتي؟ هل هو من عائلة كريمة ؟
– عنده سيارة…
-أنا سألتك عن عائلته يا حبيبتي !
-لا أعرف عنها شيئا.يكفي انني أعرفه هو.
ثم في حركة طفولية بريئة, مالت برأسها الى الخلف, وشخصت ببصرها, وسرحت بعيدا..بعيدا.
لحظتها, أيقن الأب أن ابنته تفكر بقلبها لافتقادها التجربة, وأنها مغرمة بالشاب, ولا أحد يمكنه اقناعها بمجرد التفكير في العدول عن قرارها.
توالت الأيام وقد أسكرتها نشوة العشق.لم تعد تقصد الجامعة إلا لتراه, وتنعم
بالحديث معه, والإبحار في بريق عينيه.بينما كان الوالد بحسه الأبوي, ينبش
في حياة الشاب, وجذوره, ليكتشف أن ما يفرقهما أكبر بكثير مما يجمعهما.
ذات مساء, وبعد عودتها من الجامعة تجر الخطى بطيئا كأنما البيت سجن يسرقها
من حبيبها, حادثها الوالد برفق, واضعا أمامها كل التفاصيل, وخاصة الفوارق
الاجتماعية التي سيكون لها تأثير قوي ذات يوم, عندما ينزلان من سماء
الأحلام إلي أرض الواقع. وانه ووالدتها يرفضان الموضوع من اساسه.
– أحبه يا بابا!! قالت ذلك بصوت مخنوق, ثم جرت لتوصد عليها باب غرفتها, وتجهش بالبكاء.
توالت الأيام, وقد وجدت في نفسها عزوفا عن الطعام, أو فعل أي شيء.
كانت حالها تسوء يوما بعد يوم, وقد بدأت تذبل كزهرة باغتتها رياح الخريف
في عز الربيع. أصابتها حالة اكتئاب, جعلت الوالد المسكين يهرع بها صوب
صديقه, طبيب الأمراض النفسية, والذي نصحه بتلبية رغبتها ان كان فعلا يحبها
بصدق, فذلك وحده كفيل بسد هوة الفوارق الاجتماعية التي لم تعد مجدية في
زماننا هذا.
لم تصدق نفسها وهي تكاد تطير من الفرح, حين أخبرها والدها
-على مضض- انه موافق على زواجهما, شرط أن تتحمل نتيجة اختيارها, ولا تشتكي
يوما.
وتم زواجهما في ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة…
( صبرني الحب كتير
وداريت في القلب كتير
ورضيت عن ظلمك لكن
كل ده كان تأثير
والقرب أساه وراني
البعد ارحم بكتير )
ولحديث القلوب شجون لا تنتهي.