جدة ــ وكالات
عملت ميليشيات حزب الله اللبنانية المرتبطة بنظام الولي الفقيه في إيران، منذ نشأتها قبل أكثر من 3 عقود، على إرهاب الداخل اللبناني قبل أن تمتد أعمالها الإرهابية إلى معظم الدول العربية خدمة للمشروع الفارسي القائم على نشر الفوضى بالمنطقة لتنفيذ أجندات طهران التوسعية.
فيما أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، امس الأربعاء، فرض عقوبات جديدة على أفراد من “حزب الله” الإرهابي، بينهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله، ونائبه نعيم قاسم وآخرون.
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية، في بيان على موقعها الإلكتروني، إن العقوبات شملت أيضا القياديين بحزب الله حسين الخليل وإبراهيم أمين السيد وهشام سيف الدين.
ورغم أن حزب الله، الذي بدأ نشاطاته فعليا عام 1982، رفع شعار محاربة إسرائيل التي كانت وقتها تحتل مناطق واسعة في لبنان، فإن القافلة الأولى من ضحاياه في الداخل اللبناني تصدرتها قيادات من المقاومة الوطنية التي كانت قد شنت سلسة عمليات نوعية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وطالت عمليات الاغتيال التي شنها الحزب في تلك المرحلة، للاستئثار بلواء المقاومة المذهبية خدمة لمشاريعه الخفية، قيادات وطنية بارزة في المقاومة الوطنية، على رأسها المفكر حسن حمدان الملقب بمهدي عامل، والمفكر حسين مروة والطبيب لبيب عبد الصمد، وغيرهم ممن لا يتسع الوقت لذكرهم.
والاغتيالات، التي طالت استهدفت خاصة قيادات من الحزب الشيوعي، الجهة الأبرز التي حملت لواء التصدي لإسرائيل وألحقت بها ضربات موجعة في بيروت والجنوب وغيرها من المناطق، كشفت مشروع حزب الله الرامي إلى “مذهبة” المقاومة في خدمة مباشرة لإسرائيل.
فإسرائيل كانت منذ تأسيسها جسما غريبا في المنطقة كونها الدولة الوحيدة القائمة على أساس ديني، وسعت، في محاولة لتبرير وجودها، إلى خلق كيانات طائفية على شاكلتها، وهو ما تحقق فعلا بعد أن اعتلى الخميني الثورة التي أطاحت الشاه عام 1979، لتبدأ الشراكة الخفية مع “الجمهورية الإسرائيلية في إيران”.
وكان حزب الله سلاح إيران الأبرز لتصدير “المشروع الإيراني” الديني إلى دول المنطقة، بدءا من لبنان، حيث عمل للسيطرة على البلاد، عبر سياسة الترهيب والترغيب واستخدام شعار مقاومة إسرائيل التي قدمت في أكثر من مناسبة خدمات مجانية له في تقاطع مصالح مشبوه بالحد الأدنى، إن لم نقل تحالفا شيطانيا.
وبرز التحالف بين اسرائيل وحزب الله في أكثر من مرحلة مفصلية حيث عمدت إسرائيل في أكثر من مناسبة على تعويم حزب الله، كما فعلت في “حرب تموز 2006″، حين كان الحزب يترنح تحت ضغط انسحاب حليفه السوري قبل سنة من لبنان على خلفية تورط دمشق والحزب في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
وفي وقت كان الحزب يمر بأسوأ مرحلة في تاريخه، بعد أن تحررت قوى لبنانية من قيودها الطائفية والمذهبية الضيقة واستلمت السلطة لتبدأ معها إحدى أبرز المحاولات في لبنان لبناء دولة مدنية، شنت إسرائيل حربا على لبنان ردا على عملية لحزب الله في الجنوب، رأى مراقبون إنها محاولة من جماعة إيران للخروج من مأزقها عبر الهروب إلى الأمام.
وبالفعل تلقت إسرائيل هذه الإشارة لتشن حربا، دفع ثمنها، حصرا، المدنيون اللبنانيون من دمائهم ومن البنية التحتية لبلادهم، ليخرج بعدها الحزب متسلحا بـ”انتصاره” الوهمي ويقبض مجددا على الشارع اللبناني، ويعود إلى مسلسل الاغتيالات لترهيب خصومه، فيقضي على مشروع الدولة وينجح أخيرا بعد سنوات في إحكام سيطرته على كافة مفاصلها.
وكان حزب الله قبل حرب تموز قد لجأ، وفق ما يتهمه خصومه، لاغتيال الزعماء السياسيين والقادة والمفكرين والصحفيين الوطنيين، الذين يشكلون خطرا على مشروعه الطائفي، وعلى رأسهم، الحريري وهو ما أكدته المحكمة الدولية، والمفكر سمير قصير، والأمين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي، ورئيس تحرير صحيفة النهار جبران تويني، وأسماء وطنية أخرى، بعضها نجا من آلة الحزب القاتلة.
واستمر الحزب في هذا النهج القاتل بعد “حرب تموز”، ليصل عام 2008 إلى الذروة في معركته للاستيلاء على الدولة اللبنانية، حين اجتاح بسلاحه “المقاوم” بيروت التي تصدت لإسرائيل وطردت جيشها “ّذليلا” عام 1982 تحت ضربات المقاومة الوطنية، حين صرخ جنودها عبر مكبرات الصوت: “يا أهل بيروت لاتطلقوا النار على جيش الدفاع. نحن منسحبون”.
وبعد نحو 26 سنة على تحريرها من القبضة الإسرائيلية، سقطت بيروت مجددا، ولكن هذه المرة تحت نير الاحتلال الفارسي ممثلا بحزب الله الذي لم يكتف بلعب الدور الخبيث في لبنان، بل عمل إلى التوسع في المنطقة العربية بشكل مباشر، أو غير مباشر عبر تدريب خلايا مهمتها السير على نهجه، كما شن هجمات إرهابية في دول عربية عدة.
ومن أبرز الدول التي استهدفتها ميليشيات إيران في وقت مبكر، المملكة العربية السعودية حيث حاولت تجنيد مناصرين تحت ما يسمى “حزب الله الحجاز”، الذي تأسس بدعم من حزب الله، ومسؤول عن تفجير أبراج الخبر السكنية عام 1996، مما أسفر عن مقتل وإصابة عشرات المدنيين، وكان الرأس المدبر لهذه العملية عماد مغنية، الذي عد أحد أبرز القادة الإرهابيين قبل مقتله في سوريا عام 2008.
فيما لم تسلم الكويت من إرهاب حزب الله، منذ عام 1983، حين هزت سلسلة تفجيرات العاصمة في ما عرف لاحقا بـ”أسوأ حلقة إرهابية في القرن العشرين في الشرق الأوسط”، وكان العقل المدبر هذه المرة أيضا أحد كبار قادة الحزب، مصطفى بدر الدين، الذي اتهم بعدها بأكثر من 20 عاما بالضلوع باغتيال الحريري عام 2005، ويحاكم حاليا أمام المحكمة الدولية غيابا كونه قتل في سوريا، أيضا بظروف غامضة، سنة 2016.
وتطول لائحة إرهاب حزب الله في الكويت حيث ضبط الأمن عام 2015 خلية تابعة لميليشيات إيران عرفت لاحقا بـ”خلية العبدلي”، كشفت التحقيقات أن أعضاءها تلقوا تدريبات بمعسكرات ميليشيات الحزب في لبنان، وخططوا لهدم النظم الأساسية للكويت، التي طردت على خلفية ذلك 15 دبلوماسيا ايرانيا.
وفي البحرين، لعب حزب الله الدور المحبب إلى قلبه، وهو محاولة ضرب النسيج الوطني للبلاد عبر العزف على الوتر المذهبي، وقد نجح الأمن البحريني في ضبط خلايا عدة مرتبطة بالحزب والحرس الثوري الإيراني، على غرار الخلية التي يتزعمها حسين علي أحمد داود، أحد قياديي تنظيم سرايا الأشتر، الذراع الإرهابي لما يسمى بتيار الوفاء الإسلامي.
أما في اليمن الذي أدخله الإيرانيون في حرب طاحنة، فقد كان حزب الله كعادته ذراع إيران المفضلة لدعم ميليشيات الحوثي الإيرانية، فعناصره “الخبيرة” في الإرهاب دربت الحوثيين إلى جانت خبراء الحرس الثوري على إطلاق الصواريخ التي باتت مهدد حقيقي للمنطقة
وفي حين وجدت إيران وحزب الله في هذه الدول سدا منيعا حال دون أن ينجح مشروعها الطائفي، سقط العراق في القبضة الإيرانية ودخلت البلاد في دوامة العنف والفوضى، إلا أن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة تشير إلى أن الشعب العراقي قد بدأ مرحلة الانتفاضة ضد الهيمنة الإيرانية، على أمل أن تنجح القيادات الوطنية في استكمال هذه الهبة والبناء على الصوت الشعبي الرافض لطهران.
وختاما، تبقى سوريا، وعلى غرار لبنان، الحلقة الأضعف، فنظام بشار الأسد الذي كاد أن يسقط بعد اندلاع النزاع المسلح في 2011، رمى نفسه في الحضن الإيراني ليستبيح على أثر ذلك حزب الله الدم السوري ويسيطر على مساحات واسعة من البلاد، حيث يعمل لإحداث تغيير ديمغرافي في البلاد، يتيح لطهران الاستمرار في احتلال الأرض السورية.
من الأراضي اللبنانية أنطلق حزب الله شرقا إلى سوريا وصولا إلى العراق مرورا باليمن، في حربه على الدول العربية والأمن العربي رافعا شعار محاربة إسرائيل، مما يشير إلى أنه أضاع البوصلة فالعدو المزعوم موجود على حدود لبنان الجنوبية، ولكن يبدو أن القدس ليست ضمن الأجندة الإيرانية، فهي مجرد شعار للتجييش والتستر على مشروعها التوسعي الحاقد.