دولية

عشية قرار ترمب (النووي).. إيران تحتمي بالأوروبيين .. وأمن الملالي يواصل قمع الانتفاضة

طهران ــ وكالات

في مواجهة احتجاجات إيران ضد فشل نظام الملالي في تسيير أمور الشعب لحساب طموحات توسعية غير واقعية أو شرعية، اتبع الملالي نمطا قمعيا ممنهجا لإسكات الأصوات التي تطالب بالإصلاح، وذلك عبر عدة أذرع أمنية تقوم بخنق الشعب الإيراني بشتى السبل، ثم ان نظام الملالي يواجه ورطة اخر بخلاف الاحتجاجات المتنامية فى البلاد منذ اكثر 14 يوم فعشية إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن كان سيعيد فرض عقوبات على طهران، رُفعت بموجب الاتفاق النووي، أم لا، جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى بروكسل.

ورطة النظام الايراني :
وتظهر الزيارة كيف أن الملالي لا حيلة لهم سوى الاحتماء بالأوروبيين، رغم أن النظام الإيراني لا يتوقف عن “شيطنتهم” في خطبه الرسمية.

ووسط انتقادات ترامب للاتفاق النووي، الذي أبرمه سلفه باراك أوباما، تفيد تسريبات أنه عازم على إعادة فرض العقوبات، وإن كان قراره النهائي لم يُتخذ بعد، في انتظار سلسلة من نصائح مساعديه.

عند بدء ولاية ترامب مطلع العام الماضي، كانت إيران تشكك في تهديده بإلغاء الاتفاق ما لم يُطرح للتعديل، بوصفه لا يعطي ضمانات كافية لكف طهران عن طموحها النووي.

وما عزز ذلك أن الرئيس الأمريكي صادق مرتين، خلال العام الماضي، على “التزام” طهران ببنود الاتفاق، إذ ينبغي عليه إبلاغ الكونجرس كل ثلاثة أشهر إن كانت إيران ملتزمة بتنفيذ بنود الاتفاق.
لكن في المرة الثانية، قال ترامب بعد مصادقته “”لو عاد الأمر لي، لكنت قد اعتبرت أن إيران لا تتقيد بالشروط منذ 180 يوما”.

وبالفعل، رفض ترامب، في أكتوبر الأول، المصادقة على إلتزام إيران، ضمن إعلان استراتيجية جديدة “أشد حزما” ضد نظام ولاية الفقيه.

وبقراراه، منح الرئيس الكونجرس مهلة من 60 يوما، ليُقرر إن كان سيعيد فرض العقوبات التي رُفعت بموجب الاتفاق أم لا، لكن المشرعين آثروا عدم اتخاذ قرار، معيدين بذلك الأمر إلى ترامب.

وفيما نصت الإستراتيجية الجديدة على عقوبات ضد الحرس الثوري، حذر المرشد الأعلى، علي خامنئي، من أن بلاده “ستتوقف عن تنفيذ الاتفاق، إذا أعيد فرض أي عقوبات”.

لكن تعويل طهران الرئيس كان على معارضة الأوربيين لمساعي ترامب، لا سيما بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الذين يمثلون بجانب واشنطن وموسكو وبكين مجموعة (5+1)، الطرف الثاني في الاتفاق.
ويتجلى ذلك في مغازلة الرئيس الإيراني حسن روحاني للأوروبيين، عندما رفض ترامب تجديد مصادقته، بقوله “لا يمكن لرئيس إلغاء اتفاق دولي. إيران ستواصل احترام التزاماتها بموجب الاتفاق”.

وتزامن تصريح روحاني مع دعوة زعماء بريطانيا وألمانيا وفرنسا لواشنطن “الأخذ في الاعتبار العواقب التي ستمس أمن الولايات المتحدة وحلفائها، قبل اتخاذ أي خطوات قد تقوّض الاتفاق النووي، مثل إعادة فرض العقوبات التي رفعت بموجبه”.

ويرجح مراقبون أن الاجتماع الذي ستحضره أيضا، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغريني، أفضل فرصة للأوروبيين لجعل تأييدهم للاتفاق، مقابلا لتحجيم طهران لخططها التوسعية.

وما يعزز ذلك، أن طهران تدرك أن دعم بكين، وموسكو التي زارها ظريف قبيل وصوله بروكسل، لا يكفي، وأنها في حاجة ملحة للدعم الأوروبي، للحيلولة دون فرض عقوبات أمريكية تحظر صادراتها النفطية التي تمثل عصب اقتصادها.

قمع الاحتجاجات :
اتبع نظام الملالي نمطا قمعيا ممنهجا لإسكات الأصوات التي تطالب بواقف مشروع ايران التوسعي فى المنطقة على حساب الداخل ، وذلك عبر عدة أذرع أمنية تقوم بخنق الشعب الإيراني بشتى السبل.

وتتألف الأذرع القمعية التابعة للملالي من الشرطة، ومرتزقة يستعين بهم النظام، إضافة إلى الحرس الثوري الإيراني بأفرعه، إضافة الى أجهزة أمنية أخرى، ولفهم مدى وقوة الاحتياجات في إيران لابد من النظر في التركيبة الأمنية للنظام الإيراني في محاولاته المستميتة لإسكات وقمع الشعب الإيراني المطالب بحقه في الحياة الكريمة.

شرطة ومليشيات :
الفروع الأمنية والعسكرية والقضائية الرئيسية للأجهزة القمعية الإيرانية تتكون من الشرطة “ناجا”، ومجموعة من المرتزقة التابعين للنظام “الباسيج” والحرس الثوري الإيراني، حيث تخضع الشرطة لسيطرة وزارة الداخلية التي تتبع الرئيس الإيراني مباشرة بحسب الدستور، إلا أن رئيس الشرطة يتم تعيينه من قبل المرشد، الذي يحد بشكل كبير من سلطة وزير الداخلية، خصوصا فيما يتعلق باللوجستيات والمعدات والدعم.

ويتراوح عدد الشرطة الإيرانية “ناجا” الإجمالي بين 100 و200 ألف فرد، إضافة إلى 100 ألف شخص آخر يعملون في منظمات تابعة للشرطة مثل “مكتب الخدمات الإلكترونية الشرطية” أو “يليس” إضافة إلى 41 ألف موظف تابعين للشرطة منتشرين في شركات الحماية والمراقبة التي تتولى التجسس على المواطنين في المدن الإيرانية.

إلا أن القوات النظامية ليست كفاية لفرض القبضة الحديدية التابعة للملالي داخل إيران، ولهذا قامت إيران بإنشاء مجموعة من المرتزقة أو المليشيا داخل إيران تدعى “الباسيج”، وهي تُعَد بحسب العديد من الخبراء الأمنيين أكبر مليشيا في العالم، بواقع 5 ملايين عضو موزعين على 24 فرعا داخل إيران، ويتم تقسيمهم إلى 4 فئات رئيسية هي الفئة العادية، والنشطة، والكوادر والفئة الخاصة.

وتشكل “الباسيج” شبكة عنقودية تتداخل مع الشرطة والحرس الثوري الإيراني لقمع أي محاولات للاحتجاج بشكل فوري؛ حيث تتوزع تلك المليشيا في أكثر من 50 ألف قاعدة موزعة حول المدن الإيرانية، إلا أن المحرك الرئيسي لتلك القوات هو الحرس الثوري الإيراني.

ويقوم كل من الشرطة والباسيج بتقديم تقارير دورية عن الأحوال الأمنية داخل إيران؛ حيث إن الحرس الثوري الإيراني يقوم بشكل أساسي بوأد أي تظاهرات أو احتجاجات داخل إيران، أو خارجية في المناطق التي لها وجود ملحوظ فيها مثل العراق ولبنان.

ولدى نظام الملالي أكثر من 17 جهازا أمنيا مختلفا، تشرف عليها 3 هيئات رئيسية تقوم بمهمة الاستخبارات الداخلية وهي: وزارة الاستخبارات الإيرانية، وجهاز الاستخبارات التابع للحرس الثوري الإيراني، وهيئة تدعى شرطة الاستخبارات والأمن العام أو “يافا”.

وتتغلغل تلك الأجهزة داخل المجتمع الإيراني من خلال شبكتين رئيسيتين هما: تنظيم “حراسات” وجهاز الاستخبارات التابع للحرس الثوري الإيراني؛ حيث تم إنشاء شبكات في جميع المنظمات المدنية والجامعات في أنحاء إيران، وذلك لرصد أي بوادر للاحتجاجات المحتملة في المدن الإيرانية.

ووفقا لتقارير استخباراتية دولية، يقوم القائمون على تنظيم “حراسات” بمراقبة الموظفين والطلاب والأستاذة الجامعيين عن طريق رصد الاتصالات والدفع بمخبرين لمراقبة تحركاتهم ويصل الأمر إلى التأثير في إجراءات التوظيف والفصل من الخدمة.

وتشكّل السلطة القضائية جزءا رئيسيا آخر من جهاز القمع الإيراني، وبالإضافة إلى المحاكم العامة، يشمل النظام محكمتين رئيسيتين خارج نطاق الدستور، وهما: المحكمة الخاصة لرجال الدين، المسؤولة عن ترهيب رجال الدين المعارضين وإسكاتهم، والمحاكم الثورية الإيرانية التي تحاكم تهما سياسية مثل ترويج المعارضة

ولطالما عملت هذه المحاكم على قمع المظاهرات، بما في ذلك أعمال الشغب التي وقعت في مدينتي مشهد وشيراز عام 1992 والتي حكم فيها على بعض المتظاهرين بالإعدام في محاكمات سريعة، و”الحركة الخضراء” عام 2009 التي حُكم فيها على الناشطين بالسجن لفترات طويلة.

وعلى الرغم من أن تلك الهيئات القمعية تعمل معا لإبقاء نظام الملالي في السلطة؛ فإن مهامها تختلف بحسب الحالة الأمنية السائدة في إيران؛ حيث يتم تكليفها بواحد من أصل 4 مؤشرات للحالة الأمنية وهي: البيضاء، التي ترتبط بحالة النظام العام العادي داخل إيران، والرمادية التي يتم إعلانها عند اندلاع احتجاجات سلمية، والصفراء التي يبدأ فيها المتظاهرون بالقيام بأعمال عنف، والحمراء التي تعني أن هناك ثورة مسلحة واسعة النطاق ضد نظام الملالي.

ورغم كل هذه الالة القمعية نجحت الدعاية الموجهة، خاصة أوقات الأزمات، في الدول القمعية، مثل إيران، دوراً مهماً في بث أفكار لتدعيم النظم الحاكمة أو لتشويه صورة الآخر، ما يطلق عليه “البروباجاندا”.

هذا ما يتبعه نظام “الملالي” لإنقاذ نفسه أمام الانتفاضة الشعبية، معتمدا على تشويه صورة المتظاهرين، عبر وسائل الإعلام التابعة لهم.

ورصد محللون متخصصون في أساليب الدعاية السياسية، لصحيفة “لوموند” الفرنسية، تلك الأساليب، مؤكدين في الوقت نفسه أنه “نيو ميديا” هزمت إعلام “الملالي” بتوثيق جرائمه بالصوت والصورة.

وكشفت صحيفة “لوموند” الفرنسية، في تقرير لها، عن أن “وسائل الإعلام التقليدية في طهران، التابعة للدولة، ومليشيا الحرس الثوري، تحاول تزييف حقائق الانتفاضة الشعبية، ولنزع الشرعية من المقاومة الإيرانية، مدعية أنها سيطرت على الأوضاع، وبث رسائل مجهولة المصدر لتخوين المتظاهرين”، إلا أن وسائل الإعلام الحديثة، فضحت تضليلهم.

وأوضحت الصحيفة أنه “خلال يومين، ما بين 29 إلى 30 ديسمبر، لم يتفاعل التلفزيون الرسمي الإيراني، مع موجة الاحتجاجات، التي ضربت أنحاء إيران، وفضت تغطية الأحداث، منصاعاً لأوامر الملالي”.

ولفتت الصحيفة إلى أنه على الرغم من ذلك التعتيم الإعلامي، فإن الإيرانيين لجأوا إلى وسائل إعلام متقدمة ليعلموا العالم بدء ثورتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، بما في ذلك تقنية “التلجرام”، للمراسلة الفورية، التي تحظى بشعبية كبيرة في البلاد، ولها إمكانيات واسعة وتصل لأبعد نطاق، حيث تسمح للمعارضين للنظام الإيراني المنفيين خارج البلاد، باستقبال تلك الرسائل، والتفاعل مع المتظاهرين.

ونقلت الصحيفة عن المدير الشاب لرابطة “بيت المصورين الإيرانيين في طهران”، إحسان باجريان، وهو جهاز دعاية تابع للفصائل السياسية المحافظة، قوله إن “وسائل الإعلام التابعة للملالي هي نفسها تتفاعل دائماً بصورة متأخرة بطريقة ناقصة ومنحازة لا تعرض الصورة الحقيقية للوضع”.

وأشار الشاب، إلى أنه “يتابع تغطية وسائل الإعلام الإيرانية التابعة للنظام، عن كثب”، موضحاً أنه على الرغم من ذلك التعتيم الإعلامي، فإن الشباب الإيراني كسر تلك القيود، في 30 ديسمبر، وتخلى عن منطق الرقابة على الوسائل التقليدية، واتجه إلى وسائل الإعلام الحديثة “نيو ميديا” التي أظهرت قوة غير مسبوقة، مما أدى إلى إغراق الشبكات الاجتماعية برسائلها الخاصة التي فرضت نفسها في الفضاء العام لإيران.

“بروباجندا” الملالي
بدورها، أشارت الباحثة المتخصصة في شبكات الدعاية الإيرانية في جامعة “براون” بالولايات المتحدة إلى أن مليشيا الحرس الثوري يحشدون من جهة أخرى لبث رسائل مجهولة المصدر عبر وسائل إعلام مستقلة، وعلى مواقع الإنترنت، لنشر تلك الأفكار وتخوين المتظاهرين.

بدروها قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض سارة ساندرز، إن الولايات المتحدة قلقة بشدة من تقارير تفيد بأن إيران زجت آلافاً من المتظاهرين في السجون وعذبت وقتلت بعضهم.

وأضافت ساندرز في بيان “لن نظل صامتين بينما تقمع الديكتاتورية الإيرانية الحقوق الأساسية للإيرانيين، وسوف نحمَّل زعماء طهران المسؤولية عن أية انتهاكات”.

وشنت قوات الأمن الإيرانية، امس “الخميس” حملة اعتقالات طالت عشرات الأشخاص بتهمة المشاركة فى الانتفاضة ضد فساد نظام الملالي.

واعترفت وزارة الأمن الإيرانية بحالات الاعتقال التي استهدفت المشاركين في المظاهرات ببلدة سردشت (شمال غرب إيران)، وبلدة إيذة، ومحافظة فارس، ووجهت لهم تهم الإرهاب وإثارة الشغب، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، وتصل عقوبة الإرهاب في إيران إلى الإعدام، ما يشير إلى اتجاه نظام “الملالي” إلى ترهيب المحتجين لوأد الانتفاضة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *