أرشيف صحيفة البلاد

عزلة المبدع

مريم الأحمدي

“الإبداع ابن العزلة فلا تقتلوها” عبارة ذكرها الكاتب عبد اللطيف خالد القرين في كتابة (هارون أخي) والذي تحدث فيه عن الانطوائية في البشر وعن دور العزلة في تعزيز الإبداع لدى الإنسان.

للاسف البعض يعتقد ان العزلة مُدمرة للنفس، ولكن الحقيقة انه اثناء العزلة يحظى الانسان بصفاء الذهن التام والراحة اللازمة والهدوء الذي يُمكِنه من التفكير بشكل جيد، مما يحقق للشخص افضل النتائج فيما يسعى اليه وبذلك يكون مبدعاً في مجاله.

بعيداً عن الافكار الخاطئة التي اكتسبها الناس عبر الزمن عن مدى سوء العزلة، فهي مفيدة جداً للانسان، ولها جوانب ايجابية ما دام سبب اللجوء اليها طبيعةً في الانسان او رغبة منه في تحقيق التركيز الكامل لاتمام امرٍ ما بشكل دقيق.

لا يقتصر الامر في ذلك على اصحاب الشخصيات الانطوائية، ايضاً الشخص الاجتماعي يحتاج احيانًا الانفراد بنفسه، لإنجاز اموره بشكلٍ متكامل الدقة، أو حتى لاكتشاف الذات وتعزيز جوانب القوة في نفسه.

الكثير من الدواوين والكتب والروايات التي لاقت رواجاً كبيراً، واللوح الفنية البديعة، والافلام السينمائية المبهرة، والمقطوعات الموسيقية التي أسرت المسامع والقلوب، والاختراعات الرائعة التي خدمت البشرية، وُلِدت من رحم العزلة، أخرجها المبدعون لنا في أجمل صورة بعد ان قضوا الكثير من وقتهم في ظل الانعزال بعيداً عن العالم أجمع.

وكما قال عبداللطيف: “شكراً للعزلة على الروايات التي نقرأها، واللوح التي نُمتع بها نواظرنا.”

وليست العزلة بحد ذاتها سبيلاً للنجاح، فقضاء الوقت الكافي في المران على أمرٍ ما يساهم في زيادة مستوى الابداع فيه، كما ورد في قاعدة الـ ١٠,٠٠٠ ساعة، التي كانت نتيجة دراسات اجريت على عدد من المبدعين في مجالات مختلفة، ولاحظ العلماء ان ظاهرة الـ ١٠,٠٠٠ ساعة هذه تكررت اكثر من مرة في حياة الكثير من المبدعين فقد كانوا يقضون ساعات معينة يومياً في المران وتطوير مواهبهم حتى اتموا هذه العشرة آلاف ساعة خلال سنوات معدودة.

ليطور الانسان من مواهبه ويبدع في مجاله، يجب عليه ان يمارس التدريب المستمر باحترافية، وينعزل احياناً ليوفر لنفسه الاجواء المناسبة لتحقيق ما يرجوه.
ولا ننسى قول العالم الشهير (ألبرت آينشتاين):
“كُن وحيداً فهذا يعطيك وقتاً للتأمل، يعطيك وقتاً للبحث عن الحقيقة، ويجعل حياتك ذات معنى”.