جدة ــ وكالات
سلطت الانتفاضة الأحوازية المتواصلة هذه الأيام الضوء على المساعي الإيرانية الرامية إلى تطويع الإقليم العربي؛ لما يشكله هذا الإقليم من أهمية سياسية واقتصادية.
ولم يتوقف الشعب العربي الأحوازي عن النضال في سبيل حقوقه، منذ سيطرة إيران على الإقليم، وتتجلى تلك النضالات بعدة أشكال عسكرية وسياسية وثقافية واجتماعية،
ويعرف إقليم “الأحواز” تاريخيا باسم عربستان، وقامت سلطات الانتداب البريطانية بضمه لإيران في عام 1925. وتبلغ مساحة الإقليم، الواقع جنوب غربي إيران، 375 ألف كلم مربع، وتشير بعض المصادر إلى أن عدد سكانه، نحو 8 ملايين نسمة.
وبات التقسيم الإداري للمنطقة التي كانت تشكل إمارة عربية، يشمل محافظة خوزستان، ومركزها مدينة تحمل أيضا اسم الأحواز، فضلا عن محافظتي هرمزكان وبوشهر.
ويتركز وجود العرب في إيران في هذه المحافظات الثلاث، بالإضافة إلى محافظة خراسان في شمال شرق البلاد، التي يقطنها العرب، الذين هاجروا من الجزيرة العربية بعد الفتوحات الإسلامية للمنطقة.
ونقلت “قناة اسكاي نيوز” عن مدير المركز الأحوازي للإعلام والدراسات حسن راضي، المقيم في لندن، قوله : إن رحلة معاناة العرب بدأت منذ تاريخ سقوط “عربستان”، حيث هدم رضا بهلوي المعالم العمرانية العربية والمدارس، وقسم المنطقة وألحق بعض أراضيها بمحافظات إيلام وفارس وأصفهان.
ورغم أن بهلوي والأنظمة التي تعاقبت بعده على الحكم حاولت سلب عرب الأحواز وخراسان هويتهم من خلال سياسة القمع، ومنع تعلم اللغة العربية، وحظر ارتداء الزي العربي التقليدي، إلا أنهم لا يزالون يتمسكون بلغة وثقافة الأجداد.
ويتمتع الإقليم بأهمية اقتصادية كبيرة، حيث يشكل النفط الأحوازي ما نسبته 87 في المائة من إجمالي النفط الإيراني المصدّر، كما يشكل الغاز الطبيعي في الإقليم 100 في المائة من الغاز الذي تملكه إيران.
وتصب في الإقليم ثمانية أنهار، وهو ما جعل 65 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة في إيران، متركزة في تلك المنطقة.
وجعل تواجد هذه الأنهار في “الأحواز” من المنطقة المركز الأهم لإنشاء المفاعلات النووية، في إيران، وأشهرها مفاعل “بوشهر”.
وكذلك يقع أكثر من نصف الساحل الإيراني على الخليج العربي في محافظة الأحواز، مما يمنحها امتيازات اقتصادية وتجارية وجيوسياسية كبيرة.
ودأبت الأنظمة الإيرانية المتعاقبة على جعل الأحوازيين يعانون من التمييز في فرص العمل والرتب الوظيفية، ومنعتهم من العمل في المنشآت النفطية في مناطقهم.
وتسعى طهران باستغلال سلاح الضغط الاقتصادي على سكان الإقليم إلى تهجير الأحوازيين من مناطقهم؛ من أجل تغيير ديموغرافيتها، وهو مخطط فضحته وثيقة رسمية تسربت من مكتب الرئاسة في عام 2005، وكشفت عن توطين ممنهج لعرقيات في الأحواز؛ أبرزها الفرس واللور والبختيار.
وبالإضافة إلى حرمان مناطقهم من التنمية وسياسية التمييز العنصري و”الترانسفير”، تحظر السلطات الإيرانية على الأحزاب والتيارات العمل؛ وفق الأطر القانونية، وتمنع العرب من المشاركة في العملية السياسية إلا لمن ثبت ولاؤه للنظام.
بيد أن هذه الممارسات، لم تحل دون بروز عدة تيارات تحمل لواء الدفاع عن حقوق العرب في إيران، واستعادة حرية المنطقة، عبر ما يعلنون أنه الاستقلال عن “الاحتلال الفارسي”، وفقا لما يؤكده مدير المركز الأحوازي للإعلام والدراسات، حسن راضي.
ومن أبرز هذه التيارات، الجبهة العربية لتحرير الأحواز، التي تأسست 1980 وحركة التحرر الوطني الأحوازي، التي انطلقت بعدها بـ 6 أعوام، بالإضافة إلى الجبهة الديمقراطية الشعبية، وحركة النضال العربي لتحرير الأحواز.
وينشط بعض قادة هذه التيارات والمنظمات في أراضي العرب في إيران بشكل سري، في حين دفعت سياسة “القمع” البعض الآخر إلى السفر خارج البلاد، حيث تسعى إلى تسليط الضوء على قضية، لم تدرج على جدول أعمال المجتمع الدولي؛ حتى الوقت الراهن.
وتعد هذه الممارسات غيض من فيض الاضطهاد الذي يعانيه العرب في إيران، من تهميش وعنصرية ممنهجة.
ومسيرة العرب في إيران تحفل بأكثر من 16 انتفاضة، لعل أبرزها ثورة “جنود الأمير خزعل” عام 1925 التي انتهت بقتل المئات من القيادات، والحراك الذي انطلق عام 2005 بعد تسريب وثيقة من مكتب الرئيس الإيراني، محمد خاتمي.
وتنص الوثيقة، طبقا لراضي، على تهجير نصف سكان المناطق العربية واستبدالهم بالفرس؛ بغية تغيير ديمغرافية المنطقة، في خطوة تؤكد أن معاناة العرب استمرت في ظل النظام الإيراني الجديد الذي استلم زمام الحكم بعد ثورة الخميني عام 1979.
ويصر العرب الذين يشكلون، حسب مراكز الدراسات الأحوازية 10 بالمائة من مجمل سكان إيران البالغ عددهم 75 مليون نسمة، ويعتنقون المذهبين السني والشيعي، على الاستقلال واستعادة الدولة التي أفلت عام 1925 إثر الغزو الفارسي.
وسياسة الاضطهاد تشمل العرب السنة والشيعة الذين ينتشرون على وجه الخصوص في خراسان، حسب راضي، الذي يؤكد أن التشيع لم ينجح بحماية هؤلاء من ممارسات الأنظمة المتعاقبة، ولاسيما النظام الحالي الذي أثبت ازدواجية في هذا الملف.
وفى سياق منفصل، قدم عشرة من كبار المسؤولين في مكتب الرئاسة الإيرانية استقالتهم من منصبهم، بسبب شمولهم بقانون التقاعد الذي أقره البرلمان في سبتمبر الماضي، والذي يمنع كبار المسؤولين ممن بلغو 45 عامًا من البقاء في مناصبهم، وكذلك حظر استخدام المتقاعدين.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية: إن المسؤولين الذين قدموا استقالاتهم، ووافق عليها الرئيس حسن روحاني، هم: شهيندخت مولاوردي مساعدة الرئيس الإيراني لشؤون حقوق المواطنة، ومسيح مهاجري، ممثل الرئيس في جامعة المذاهب الإسلامية، وعلي يونسي مساعد الرئيس لشؤون الأقليات الدينية والعرقية، وأكبر تركان مستشار الرئيس، وأمين المجلس الأعلى للمناطق الحرة والخاصة الاقتصادية الإيرانية”.
ونقلت الوكالة عن محمود واعظي مدير مكتب روحاني، أن الأشخاص الذين قدموا استقالتهم من مكتب الرئاسة، هم رضا أكرمي، وعلي جنتي، ويعملان بصفة مستشار رئيس مكتب رئيس الجمهورية، وبهمن حسين بور مسؤول الاستقبال في مكتب الرئاسة، ومحسن محبي مستشار الرئيس لشؤون القانون الدولي، وفريدون وردي نجاد، مستشار مكتب الرئيس للشؤون الإعلامية، وخليل معظم زاده مساعد الرئيس في شؤون الإدارة والموارد البشرية.
كما ترددت أنباء عن شمول مدير مكتب الرئيس الإيراني محمود واعظي بقانون التقاعد الجديد؛ وفقًا لما ذكرته وكالة أنباء فارس نيوز.
كما اضطر عمدة طهران السابق، محمد علي آفشاني، لترك منصبه بعد تطبيق هذا القانون، فقد شهدت الأسابيع الأخيرة اضطرار عدد من مسؤولي النظام، بمن فيهم 14 محافظًا، إلى الاستقالة، بسبب تطبيق قانون سن التقاعد.
ومن المرجح أن يشمل القانون الجديد 210 من كبار المسؤولين والموظفين في دوائر ومؤسسات الدولة في إيران.