أرشيف صحيفة البلاد

عام على مقاطعة قطر.. جرد حساب لخاتمة سوداء

جدة ــ وكالات

بمرور عام على قرارات الدول الداعية لمكافحة الإرهاب بمقاطعة قطر، بسبب سياستها المخالفة للمسار العربي وتورطها في دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية، ظلت الدوحة على قناعتها بأن أقصى ما يمكن لدول الجوار فعله حيال إصرارها على دعم الإرهاب، هو التنديد والاستنكار.

غير أن قطع كل المملكة والامارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، أيقظ الأخيرة من غيبوبة طال أمدها، لتجد نفسها في عزلة إقليمية أتت على مختلف مؤشراتها رغم محاولات الإنكار.
واليوم، تكمل المقاطعة عامها الأول، ومعه، تبدأ ملامح الأزمة القطرية بمغادرة حيزها الظرفي، لتدخل مسارا هيكليا يجزم خبراء بأن ارتداداته على البلاد ستكون قاتلة.

بمجرد إعلان دول المقاطعة قرارها بشأن الدوحة، انهارت المؤشرات الاقتصادية والمالية بالبلد الأخير، فسارع النظام إلى ترقيعها عبر اللجوء إلى العديد من أدوات السياستين الاقتصادية والمالية.
غير أن استمرار الأزمة وارتفاع التكاليف المدفوعة لمواجهة النفقات العادية للدولة، والتكاليف المنظورة، خلق رقما تراكميا مرعبا أثقل كاهل نظام لطالما تبجح بأرقام احتياطي صندوقه السيادي، وقدرة إنتاجه اليومي من النفط والغاز على توفير المراهم العلاجية لأزمته.

ومع أن الدوحة تصر على أن عامها الأول من الأزمة مر بخير، وأنها معافاة من جميع ارتداداتها، إلا أنها أغفلت على ما يبدو أن أدوات تقييم الحساب الختامي للأزمات، تظل رهينة التكاليف المالية المنظورة، والتي باتت مرعبة بتراكمها في ظل أزمة مستمرة ومتجددة.

اذ كان على الدوحة في الأصل تسديد فاتورة تعنتها باهظا، حيث تراكمت خسائرها جراء إغلاق الحدود الجوية والبرية والبحرية، لتبلغ في بعض التقديرات نحو 85 مليار دولار.
رقم ثقيل تضمن إلغاء 25 % من الرحلات الجوية من وإلى الدوحة، إضافة إلى الخسائر التي سجلها قطاع السياحة بنحو 600 مليون دولار حتى نهاية 2017.

ووفق بيانات رسمية نشرتها تقارير إعلامية بلغ عدد السياح الأجانب الوافدين إلى قطر في فبراير الماضي، نحو 347.6 ألف سائح، مقابل 578.95 ألف في الشهر نفسه من 2017، أي قبل بداية الأزمة.
أما السوق المالية في قطر فقد تكبدت بدورها خسائر فادحة ناجمة عن انعدام الثقة الدولية بالنظام القطري، بلغت نسبتها 10 %، أي نحو 15 بليون دولار في الأسابيع الأربعة الأولى للأزمة.
ولاحقا، حاولت الدوحة تعويض البعض من خسائرها بهذا الخصوص عبر مضاربات تصعيد المؤشر اليومي، غير أن محاولاتها باءت بفشل أضحى مرتبطا بأكثر من عامل.

ولمواجهة أزمة الدولار في مصارفها، لجأت الدوحة إلى السحب من أرصدتها الخارجية. وتشير بعض التقديرات إلى أن المبلغ ناهز 56 مليار دولار، وهو ما تطلب من الدوحة تسييل عدد من استثماراتها الدولية.
خسائر بالجملة كان لابد وأن تدفع نحو هروب المستثمرين والودائع وتراجع العوائد، وتنخفض بالتالي قدرة الاقتصاد المحلي على مراكمة ثرواته، ما نجم عنه تراجع في معدل نمو الناتج المحلي بحوالي 60% مقارنه مع 2016.

وبمقاطعتها من قبل الرباعي العربي، راودت النظام قطري هواجس إمكانية استهدافه عسكريا، ما جعله يتكالب على طلب حماية تركية، رفعت نفقاته الأمنية إلى أعلى مستوياته.
ففي الساعات التي تلت قرار المقاطعة، استعانت الدوحة بقوات قطرية، ووسعت اتفاقية قواعد أنقرة لديها، سواء البرية منها أو البحرية، قبل أن تنطلق في سباق تسلح مع نفسها.
ومن تركيا، توجهت الدوحة للولايات المتحدة، لتسرف في شراء أسلحة أمريكية فائضة عن حاجتها، طمعا في استجداء عطف الرئيس دونالد ترامب، واصطفافه خلفها.

فهذه دراسة مصرفية متخصصة قدرت كلفة القواعد العسكرية وعقود أسلحة، فضلاً عن استثمارات الترضية، بنحو 68 مليار دولار، فيما تتحدث تقارير إعلامية على أن الرقم بلغ حدود 108 مليارات.
نحو 8 مليارات أنفقتها قطر في الأشهر التسعة الأولى من أزمتها لصنع لوبيات ضغط في الولايات المتحدة، لتبييض صورتها التي باتت مقرونة بدعم الإرهاب، وبحثا عن موطئ قدم لها في دوائر القرار الأمريكي.

فهناك، نشرت الدوحة أذرعها لشراء الذمم ودفع الرشاوى من أجل الوصول إلى الشخصيات النافذة في البيت الأبيض والكونغرس، لشراء موقف مؤيد لها، وتشويه صورة دول المقاطعة لدى الرأي العام الدولي
فيما ارتضى تنظيم الحمدين الإرهابي على نفسه أن يكون مطية لنظام الملالي الإيراني، في وجه العالم، مخالفًا الإجماع العربي، ومفضلا لنفسه الارتماء في أحضان خامنئي ، الذي نبذه العالم ومل من دعمه للإرهاب، وزعزعته لاستقرار وأمن الدول، عن طريق مليشياته الإرهابية.

النظام القطري لم يخجل بعد ما تعرض له من مقاطعة من محيطه العربي، بسبب دعمه الصريح للإرهاب وللنظام الإيراني، ومليشياته، بل نصّب نفسه محاميا عن النظام الإيراني ومدافعا شرسا ومستميتا أمام العالم لصالح الملالي، رغم أنه يمنى بالخسارة والفشل في كل تحركاته.

لا يتوانى النظام القطري لحظة عن دوره المكلف به من نظام الملالي في الدفاع عن كل ما يخص إيران وآخرها البرنامج النووي الإيراني، فقد حاول خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، في 10 أبريل ، والتي لم تستمر سوى دقائق معدودة، بحسب المعارضة القطرية، إثناء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وهو ما قوبل بالفشل بعد الموقف الأمريكي الحاسم بالانسحاب.

وحين أعلن الرئيس الأمريكي قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وجد النظام القطري نفسه في ورطة مجددا، وصمت دهرًا قبل أن ينطق عبثا، ثم انبرى للدفاع عن إيران داعيا النظام الإيراني للحوار، مبتعدا برأيه عن الإجماع العربي، مجددا، حتى أصبح التعنت سمة من سمات دبلوماسيته.
في الوقت الذي بات فيه العالم مقتنعا بأن إيران هي أساس زعزعة أمن واستقرار الدول العربية والمنطقة والداعم الأول للإرهاب في العالم، وطالبت واشنطن العالم بدعم جهودها ضد التمدد الإيراني، لم تكتف قطر بالتشكيك في الأدلة التي قدمتها المملكة إزاء تورط إيران في زعزعة أمن دول المنطقة، على لسان وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بل قامت الدوحة بتوسيع وتنويع تعاونها مع طهران على جميع الأصعدة.

وتتجاهل الدوحة مواقف الإدانة الأمريكية الرافضة لسياسات إيران الإقليمية، وتطلب من واشنطن الدفع باتجاه حوار جاد مع طهران.
وتوسعت العلاقة القطرية الإيرانية بعد مقاطعة الرباعى العربى الداعي لمكافحة الإرهاب للدوحة، ضاربة عرض الحائط بالتحذيرات الأمريكية، حول تمدد النفوذ الإيراني الذي وصفه وزير الدفاع جيمس ماتيس بـ”الخبيث”.