شعر / محمد أحمد مشاط
إذا ضاقت الدُّنيا ، فصدرُكِ أرحبُ
أفِرُّ إليْهِ ، حينَ أشقَى وأنْصَبُ
يُـآمِنُ رَوْعاتي ، ويَـمْسَحُ عَبْرتي
ويُشْعِرُني أنِّي إلى اللهِ أقْرَبُ
سكنتُ بلادَ اللهِ شَرقاً ومَغْرباً
فما طابَ لي عَيْشٌ ، وما لَذَّ مَشْرَبُ
وغادَرَني أمْني ، وشُرِّدَ خافِقي
فأصبَحتُ في البُلدانِ أعدو ، وأرهَبُ
أُفَتِّشُ مَفْتوناً عن الخير والنَّقا
فَضاعَ هَباءً مَطمَحِي والتَّغَرُّبُ
وأصبَحْتُ حَيْرانَ الـخُطى مُضرَمَ الحشا
تَقاذَفَني الأمواجُ حيناً وتَجْذِبُ
فَتارةَ تَهوي بي لقاعٍ سَحيقَةٍ
وتارةَ من أفْقِ الـثُريّا تُقَرِّبُ
وما كانَ رَفْعي للثُريّا مَوَدَّةً
ولكنْ تُذَكِّرُني العُلا ، فأُعذَّبُ
وكيفَ أُرجِّي خافِقي عيشَ آمِنٍ
وخَصْمِيَ مَسلولُ العَداوةِ مُغْضَبُ
وما لاحَ لِي طَيرٌ مِنَ الوُدِّ صادِحٌ
ولكنَّ غِربانَ الشَّقاوَةِ تَنْعُبُ
فأيْقَنْتُ أنَّ اللهَ قَسَّمَ حَظَّها
مَدائنُ تُسْلَى ، ثُم أُخرى تُحُـبَّبُ
***
سَماؤكِ إشْعاعٌ ، وتَربِكِ بَلْسمٌ
وماؤكِ أصْفي للمُحِبِّ وأعْذَبُ
يَسيرُ بِكِ التاريخُ في كُلِّ مَوْقِعٍ
فَيَنشُرُ مجداً مِثْلُهُ ليسَ يُكْتَبُ
تُنيرُ الظّلامَ الشُّهْبُ حيناً وتَنتَهي
ونُورِكِ نَبْعٌ دافِقٌ ليسَ يَنضُبُ
هُنا أُحُدٌ ، والقِبْلتانِ ، وعُرْوَةٌ
وهذا قُباءٌ ، والعَقيقُ الـمُحبَّبُ
وهذي العَوالي ، والعُيونُ ، وحَمْزَةٌ
يَـهيمُ لِـمَرآها الفُؤادُ ويُسْلَبُ
هُنا قَلعةُ الإيمانِ ، يأْرِزُ نَـحْوها
إذا سَلَبَ الدُّنيا مِنَ الدّينِ غَيْهَبُ
هُنا البِرُّ والتَّقوَى ، هُنا النُّورُ والرِّضا
هُنا تَزْدَهي الأخلاقُ ، الحِقدُ يُغْلَبُ
***
أُحِسُّ بأنِّي ــ حينَ أمْشي بأرضِها ــ
أُحَلِّقُ في نَبْعِ الضِّياءِ وأُسْكَبُ
وأنَّ مَعِي في كُلِّ دَربٍ سَلَكْتُهُ
أُناساً وأحداثاً تـجيءُ وتَذْهبُ
شَفافِيَّةٌ لا يَرتَقِي لِبَهائِها
سِوَى خافِقٍ أشْواقُهُ تَتَلَهَّبُ