جدة – فيصل سجد
في “قراءة للفكر والعقل” نبحر سويا مع الدكتور محمد بن حامد الغامدي عضو هيئة تدريس جامعة الملك فيصل بالأحساء -كلية العلوم الزراعية والأغذية- وهو كاتب مقالات وخبير في المياه ومهتم بقضايا ومشاكل المياه والبيئة فكان معه الحوار التالي:
• كيف تقدم نفسك؟
•• محمد بن حامد الغامدي ابن حكومة، تولت تعليمه حتى حصل على الدكتوراه. عضو هيئة التدريس في جامعة الملك فيصل بالهفوف. يعشق التدريس كمشروع لرسالة حياة. لي ولدان وثلاث بنات. وصلت مرحلة التقاعد، ومازلت على رأس العمل. كاتب رأي في جريدة اليوم بالدمام. تقلدت مناصب إدارية في الجامعة منها عميد شؤون الطلاب، رئيس قسم الاقتصاد والإرشاد الزراعي، مدير محطة التدريب والأبحاث الزراعية والبيطرية، مدير مركز خدمة المجتمع، حاليا مدير وحدة الارشاد الزراعي والشراكة المجتمعية. توليت أيضا رئاسة مجلس صندوق الطلاب، كنت عضوا في مجلس جامعة الملك فيصل. لي ثلاث كتب منشورة وآخر في المطبعة وكتابان تحت إجراءات النشر.
• ماذا يتراءى في ذهنك من أيام الطفولة؟
•• القيم الحميدة، الشهامة والمواقف الإيجابية، حب العمل، الانضباط، الالتزام، والاهتمام بالصغيرة قبل الكبيرة، والغيرة الايجابية. طفولتي كانت أشبه بالجامعة. علمتني احترام البيئة ومكوناتها، أهميتها ودورها في الحياة.
عشت زمن وأد الطفولة. حيث يربى الطفل كرجل مسئول. تشبعت بقيم رجولية صارمة. كجزء من التهيئة والإعداد لحياة تحمل الكثير من قوى التحدي. تهيئة تعزز قوة الإرادة، وفوق هذا، جعلت للأشياء قيمة في حياتي.
طفولة قاسية لكنها مشرّفة. طفولة كلها أمل وتطلعات. طفولة مهدت لقنص الفرص وتوظيفها للبناء والعطاء. الاهم جعلتني أحمل مشاعر لصالح الآخر. طفولة جعلتني أحس دوما بمعاناة الآخر، وفرضت أن أكون مبادرا لصالح الإنسان والبيئة.
• صاحب البصمة الأكثر وضوحا في حياتك؟
•• بالتأكيد سأذكر أبي وأمي وافتخر بأخوالي ومواقفهم، وهم جزء من البيئة صاحبة البصمة الأكثر وضوحا في حياتي. البيئة بكل مكوناتها من إنسان وشجر ومدر وحجر وكائنات حية، وضعت حجر الأساس لبناء ذاتي، وقادتني للتأثر بفكر الآخر ورؤيته.
وإذا كنت تقصد أفرادا بعينهم، فكل من قابلت في حياتي لهم بصمة. لكن الاستاذ (عثمان الشاعر)، الذي علمني في المرحلة المتوسطة، كان الأهم في حياتي وحتى اليوم. استاذ من القدس العربية. أدين له بنجاحي في الحياة بعد الله.
لكن يجب أن اذكر دور استاذ أمريكي لم يدرسني حرفا، لكنه أجرى مقابلة لقبولي في الماجستير. في تلك المقابلة التي استغرقت اقل من ساعة، عرفني بنفسي وقدراتي. كشف لي الكنز الذي أحمل. بعدها وحتى اليوم أشعر أنني قادر على التميز في كل شيء. قادر على الناجح في أي مهمة. شكل عجين مستقبلي العلمي خلال أقل من ساعة. حملني على المسار الصحيح وحتى اليوم. ولم أقابله بعدها. لا أعرف حتى اسمه. في دقائق سلمني مفاتيح نجاحي في الدراسات العليا ومضى.
• ماذا تعني لك العولمة؟
•• تعني لي التغيير والتحدي وقبول الآخر، والاستمتاع بالانجاز الحضاري. العولمة تعني السباحة في كل بحور الدنيا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. العولمة سوق تهبط اليه وتعود محملا بالخيرات. البعض لا يدخل البحر لأنه لا يجيد السباحة وهذا اقصى انواع الضعف والهوان. العولمة مجال يجبرك على قراءة الصورة بشكل صحيح. إن خفت من العولمة فأنت خائف من نفسك.
• وكيف نحافظ على هويتنا العربية في ظلها؟
• يعتمد على تعريفك للهوية العربية. ماذا تقصد بهذه الهوية؟
•• أعتقد ان المطلوب في السؤال لا يدخل في دائرة التعريفات. فالكثير يتحسس من ذكر (العربية)، لاعتقادهم ان العربية انتماء عنصري. وبالنسبة لي اعتقد ان الهوية العربية مجموعة قيم انسانية عالية المقام راقية الاهداف. إذا حافظنا على هذه القيم الانسانية فهذا يعني اننا نحافظ على هويتنا العربية. لا خوف على العرب وعلى هويتهم أيا كانت.
• كيف نجسر الهوة التي تحجب البعض عن فهم القرن القادم؟
•• السؤال يقول كيف؟! وهذا يتطلب مهارات معينة ومحددة، واضحة. وحتى تتم لابد ان يكون هناك رؤيا يعقبها رسم استراتيجية تقود إلى تخطيط وبرامج لردم أي هوة أو فجوة.
الصراع بين الاجيال صراع تغيير ويتعزز الصراع بتوسع الفجوات. علينا، وكما قال الخليفة علي بن ابي طالب رضي الله عنه، أن نقوم بتربية ابناءنا لزمان غير زماننا.
في غياب الرؤيا تكبر الفجوة. وحتى لا يكون هناك فجوة يجب أن يكون هناك تغيير مستمر. تغيير في المهارات، تغيير في الأفكار، تغيير في المعارف، تغيير في الاتجاهات، تغيير في السلوك. وهذا يأتي بالتعليم والتربية.
• فكرة في رأسك تتمنى تحقيقها على حيز الوجود.
•• جميل هذا السؤال. كعالم لدي فكرة اتمنى تحقيقها. فكرة نابعة من تخصصي واهتمامي العلمي. من أكثر من ثلاثة عقود أكتب عن خطورة استنزاف المياه الجوفية في المملكة. لدي بعض الكتب والأبحاث في هذا المجال. كتبت أكثر من 150 مقالا علميا. حذرت مبكرا من زراعة القمح، حذرت من التوسع في بناء السدود. أثبت علميا بأن مشروع الري والصرف بالاحساء، أكبر مشروع مائي في الشرق الأوسط، لم يحقق اهدافه في جميع مراحل تشغيله. أثبت أنه أداة لإهدار مياه الاحساء الجوفية. حذرت من الزراعة العشوائية.
أيضا وضعت مقررين في كلية العلم الزراعية والأغذية هما (الارشاد المائي الزراعي) و(الإرشاد البيئي الزراعي). أول مقررين على مستوى العالم العربي.
ومع كل هذا، لدي مشروع اتمنى تحقيقه. مشروع لتغذية المياه الجوفية في المملكة. لدينا منطقة مطيرة يجب استغلالها بشكل كفء. تركها بدون استغلال كفر بالنعمة. مشروع مهم لصيد وتجميع وتخزين ماء المطر في باطن الارض بشكل طبيعي. مشروع في حال تحقيقه سيغذي المياه الجوفية بأكثر من (40) مليار متر مكعب سنويا، كل هذا لصالح البيئة وصالح الاجيال القادمة. اتمنى من الله ان يتحقق. ولدي الدراسات التي تعزز تلك الأمنية.
• يعتقد البعض أن مصير الكلمة المكتوبة إلى انقراض .. ما رأيك؟
•• لن تنقرض الكلمة المكتوبة. لأن للكتابة وظيفة. خلقنا الله بمهارات تزيد من استيعابنا. فالأصل في الإنسان الجهل. وقد زود سبحانه كل خلقه بالسمع والبصر والكلام. للسمع والبصر وظيفة ثابتة، فهي تحول الرموز إلى معلومات وأفكار. الكلام يحول الافكار والمعلومات إلى رموز مرة اخرى، ليفهما الآخر. لكن هناك مهارتين يتعلمها الفرد لتزيد من مساحة استيعابه وهي القراءة والكتابة. فالقراء تعزز وظيفة السمع. اما الكتابة فتعزز وظيفة الحديث الشفهي. كنتيجة، كيف تنقرض الكتابة؟! حتى ادخال المعلومة إلى الحاسبات الآلية هي كتابة. حتى الرسم والتصوير كتابة. الكتابة تزداد أهمية يوما بعد آخر. في حال انقراضها يعني أن البشر عادت إلى الحالة البدائية التي بدأتها أول الخلق.
• كيف تتشكل المرأة في حياتك؟
•• لا ادري ماذا تقصد بكلمة (تتشكل). ولغموضها قد يكون هناك أكثر من إجابة. يصوغها الفهم الخاص. تتشكل المرأة في حياتي بجميع ألوان الحياة. فحيث ما وجدت نفسي أجدها بجانبي، لها في حياتي مسارات مؤثرة. نحن شركاء في الحياة والانجاز والأهداف. معا نرسم طريق المستقبل وهذا اكبر وأعظم تشكيل.
• كيف تنظر للرجل وللمرأة في الواقع المعاصر؟
•• نحمل جميعا نفس القوى والطاقات في كل العصور. وسنظل كذلك.
احتكم إلى تلك القوى التي استودعها الله في خلقة. لم يخص الرجل دون الانثى. موجودة عند كل البشر من ذكر وأنثى. وحتى الحضارات لا تتحقق إلا بتوظيف هذه القوى في مسارات متساوية ومتوازية. يجب أن لا تطغى قوة على أخرى.
المرأة والرجل لديهم طاقة للتعلم، وطاقة للعمل، وطاقة للتفكير الخلاق والابداع، وطاقة للطموح والآمال. هناك طاقات اخرى عظيمة مشتركة بين الجميع. السؤال هل نستغل هذه الطاقات ونوظفها؟! انظر في الواقع المعاصر إلى أن الرجل والمرأة كنز يجب استثماره.
• هل هناك أمل لأن ينفض الاشتباك بين الرجل والمرأة خلال العام القادم؟
لأول مرة اعرف ان هناك اشتباك بين الرجل والمرأة. اشتباك لا اعرفه. لكن أعرف ان هناك هضم لحقوق وطاقات المرأة، وأعرف أنه يقع بعض الظلم عليهن. أعرف ان الاشتباكات يعني (الهوشة) أيا كانت تحتاج إلى سنين لفك طلاسمها، وأحيانا قد تحتاج إلى أجيال، فكيف تأمل خلال العام القادم بفض ما تعرف من اشتباك.
• الزوجة والأبناء، عبء يضاف إلى هموم العمل، كيف توفق بين هذين الهمين؟
•• لا يمكن ان تكون الزوجة والأبناء عبء. الزوجة شريكة حياة، والأبناء أمانة. وحتى العمل رسالة مقدسة. نحن لا نملك الابناء نحن مستأمنون عليهم. نعدهم للمستقبل وهذه وظيفة الزوجة مع الزوج. الذي ينظر إلى الزوجة والأبناء كعبء هو العبء نفسه على الوطن والمجتمع وبالتالي على المستقبل. اعتقد أن من يراهم عبء لا يخلو من الإعاقة.
• متى قلت (لا) ثم ندمت؟
•• لم اندم في حياتي على شيء من هذا.
• رأيك في الانترنت، وكيف ترى جيله؟
•• النت مساحة هائلة من الامكانيات التي ترتقي بقدرات وطاقات الفرد. وأرى ان جيله محظوظ. جيل اكثر قدرة وفهم وتفاعل. البعض عجز عن اللحاق بفهم هذا الجيل. سيظلون كذلك لتصبح مهمتهم كيل الاتهامات لهذا الجيل البريء. كل ذلك لتبرير قصورهم في مواكبة التغيير واحتياجاته.
• هل كنت ممن راودهم خوف ولو يسير من مشكلة الصفرين؟
•• لا ادري ماذا تقصد (بالصفرين). صفر واحد يكفي لتعرف أنك مفلس. تقول العرب: من خاف سلم. والقلق المشروع باطنه الخوف. الخوف يقود إلى المواجهة وهذا يعني شحذ الهمم وتوظيف الطاقات التي ذكرتها سابقا. وقديما قيل الفشل اساس النجاح. ولكن فشل المحاولة والاجتهاد والمثابرة، وليس فشل التقاعس والكسل. في جميع مراحل حياتي لم ينتابني خوف فشل التقاعس والكسل. لم اكن يوما متقاعسا أو كسولا. لكن وجدت نفسي محاربا طموحا اخوض التجربة بكل ثبات وصبر وتطلع من خلال الطاقات التي استودعها الله بداخلي. وكيف لا والإنسان خليفة الله في ارضه. من يوظف طاقاته لا ينتابه الخوف من جميع أصفار الحياة.
• موقف لا يزال بالذاكرة.
•• هناك مواقف كثيرة. لكن موقف سماع نجاحي في سادس ابدائي فتح أمامي كل أبواب المستقبل. واعتبرها أهم شهادة في حياتي.
• قرار ندمت على اتخاذه.
•• لم اندم على أي قرار اتخذته في حياتي. كل قرار فتح لي ابواب قادتني إلى ما أنا عليه اليوم. ولو عاد الزمن إلى الوراء لاتخذت نفس القرارات.
• كاتب تحرص على متابعته.
•• لم يكن في حياتي كاتب محدد ولن يكون.
• شاعر لا تمل من قراءة شعره.
ا•• لبيئة أكبر شاعر في حياتي، لا أمل من قراءة شعرها
• كلمة جميلة، لحن، يتردد في ذهنك.
•• اللهم ارزقني وارزق مني. أما اللحن فيأتي من أمواج البحر التي ترتطم بالشاطئ. لحن سرمدي لم ولن يتغير مدى الدهر.
• لاعب كرة تحرص على مشاهدته.
•• حفيدي الصغير.
• هل أنت من أصحاب القرارات السريعة أم العكس؟
•• لكل موقف قراره. مواقف تحتاج قرارات سريعة وحازمة، وأخرى تحتاج إلى بعض الوقت. الحياة قرار. وكل تصرفاتنا عبارة عن قرار. حتى وضع هذه الإجابة نتيجة قرار. نتعلم لتوسعة مداركنا من اجل القرار السليم والصائب وتوقيته أيضا. القرار يأتي في ظل حزمة من المعلومات تعتمد على الدقة والكم والكفاءة الاستيعابية.
• شخص يصنع حول نفسه هالة، أو حواجز، من يكون؟
•• لا اعرف أحد بهذا الشكل. وإن فعلها أحدهم فهو مريض.
• في وجه من تغلق بابك؟
•• ولماذا اغلق الباب. الحياة مفتوحة للجميع.
• لو وقفت على بئر، فما هو السر الذي تبوح به له وحدك؟
•• ليس في حياتي سر. ولم ولن اقف على راس بئر بسبب سر أو لمراجعة نفسي حول سر.
• كتاب الأعمدة الصحفية يتهمون بالإفلاس، خاصة أن الكتابة اليومية تتحول بالنسبة إليهم استهلاك كتابي يهدف من وراءه إلى تعبئة الفراغ والحرص على التواجد دون أن يكون هناك هم او قضية تستحق النقاش، ما هو رأيكم في ذلك؟
•• لا ارى ما تراه. الكتابات مثل صنوف الفاكهة، الموضوعة في صحن كبير، معروض عليك. ما تحبه أنت قد لا يروق للآخر. التنوع مطلوب، والعطاء لا يتوقف. ولكن يجب أن يكون هناك رسالة مفيدة ونافعة، يراها الكاتب قبل القارئ. تعرف قيمة الاشياء من اضدادها.
• العولمة .. ومواجهة طمس الهوية.. كيف نواجه زحف العولمة القادم الذي يتوقع أن يطمس الكثير من الهويات العربية والخصوصيات التي تميزنا عن الآخر؟ خاصة وأن الزحف يمتد ليهدد الجوانب الثقافية والايدلوجية؟
•• ليس لنا خصوصية، يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق. أعزنا الله نحن العرب برسالة الاسلام الخالدة. نحن العرب مجموعة من القيم الانسانية الراقية التي تجنبنا المخاطر. العولمة مفيدة وليست ضارة. العولمة حرث في الارض وإنبات في تربتها. العولمة ثمرة جهدك وجهد غيرك. يجب ان نعرف كيف نقطفها ونتعامل معها ونستفيد منها. الخائفون من العولمة لا يرون إلا أنفسهم في مشهد الحياة. اعتقد ان العولمة منهج عربي يعيده التاريخ اليوم في لباس جديد، فكيف نخاف من شيء نحن أساسه؟
• قبل الوداع ماذا تود أن تقول؟
•• شكرا