أرشيف صحيفة البلاد

سباق الأزمة المستعر

ساطع راجي
يخوض طرفا الأزمة السياسية، دولة القانون والعراقية، سباقا مستعرا لتحقيق المزيد من التصعيد والتأزيم فيما بينهما ويتعاملان أثناء ذلك مع دعوات ومحاولات التهدئة والتقريب على أنها هامش موجود لا بد منه، لكنه لا يؤثر على سياق الأزمة وجهود تصعيدها المبذولة من الطرفين، وهامش التهدئة والتقريب لا يرفضه علنا أي طرف سياسي حتى لا يتحمل تهمة إفشال جهود حل الأزمة.
دولة القانون والعراقية يتجهان بسرعة مذهلة للاصطدام بالجدار وحسم ما يعتبرانه معلقا منذ سنوات، وفي أثناء ذلك ينجزان فرزا سياسيا واضحا لا يقبل المنطقة الوسطى، وهو فرز سينتهي في أقرب وقت إلى انجاز فصيلين سياسيين طائفيين خالصين، وهو فرز يجري اليوم بقوة، فالعراقية تخسر صلاتها بالمناطق الشيعية عبر الانفصالات التي تبدو غير مهمة في ميزان الكتل النيابية، لأن المنشقين غالبا ممن لم يفوزوا بالانتخابات، وإذا كان هناك نواب في العراقية يحاولون اليوم الوقوف في منطقة رمادية للاستفادة من أي تغيير في الحكومة للحلول محل وزراء العراقية الذين قد يقالون فإنهم سيضعون أنفسهم في حرج سياسي بالغ. دولة القانون تريد وبقوة الفصل بين السنة وممثليهم في القائمة العراقية عبر الحديث والتفاوض والتواصل مع شخصيات سنية لم تنجح في الانتخابات، وتريد دولة القانون أن تكون الخصم والحكم فتحدد من هو ممثل السنة ومن هو غير ذلك! طبعا بحسب القرب والبعد عن توجهات دولة القانون، وهو عرف سياسي غريب ومبتدع، فكيف يمكن القفز على ممثلين يشغلون مواقع في البرلمان ومجالس المحافظات واستبدالهم بوجهاء وشيوخ وشخصيات لا صفة قانونية لهم، ومن ثم التفاوض معهم على قضايا مثل الأقاليم والوزارات الشاغرة؟ انه ضرب آخر من تفتيت العملية السياسية.
صراع العراقية ودولة القانون رغم طابعه الضيق والشخصي أحيانا، إلا أنه سيؤدي إلى صعود أصوات متطرفة في الطائفتين، أصوات تخاطب الشارع بلغة متشددة تريد سحبه إلى مواجهة طائفية، وإذا كان ملايين المواطنين لا يتأثرون بمثل هذا الخطاب فإن بضعة آلاف أو حتى بضعة مئات في كلا الجانبين تكفي لتنفيذ حرب طاحنة تبدو عدة أطراف إقليمية مستعدة لإدارتها وتمويلها لأغراض مختلفة. إننا أمام خيارين إما تقسيم البلاد أو تقاسم السلطة. وإذا كان التقسيم حلا لا يحتاج إلى تفاوض فإن التقاسم هو الأقرب للتفاوض، وكان للتقاسم أن يتم عبر مجلس السياسات ولكنه اليوم يراد عبر الأقاليم، لقد اعترضت دولة القانون على مجلس السياسات بسبب عدم دستورية الكثير من تفاصيله وهو اعتراض صحيح إلى حد بعيد، واتضح أيضا أن المجلس هو دون الطموح السني لأسباب عديدة، أما الاعتراض على الأقاليم بذريعة التوقيت فهو اعتراض يتحمل بدوره الكثير من الاعتراضات والجدل. الصراع في سطحه هو صراع أشخاص لكن في عمقه هو صراع مكونات، وإن لم يكن صراع مواطنين، وبما أن الأشخاص زائلون والمكونات أطول عمرا فالأفضل اليوم حل صراع المكونات وتجاهل الأشخاص، ولا حل للصراع أقرب من تقاسم السلطة عبر الأقاليم، لكن الأشخاص سيعاندون ويختارون أيضا حل التقاسم عبر الأقاليم لكن بعد أن يخوضوا كل المعارك المتوفرة أو المتخيلة وبعد أن يكبدوا العراق كل الخسائر التي يمكنهم تكبيدها إياه وهو أمر يتعلق بالعقد الشخصية ومستوى الذكاء الذي جربناه خلال السنوات الماضية.