جدة

زوالي أم غروبي؟.. (الصغير على وحدة والكبير على سبعة)

م/ شاهر محمد رقام

كانت هذه بداية علاقتي مع الزمن والساعة. كنت أيامها اذهب لأطالع الساعة وانقل لوالدتي حفظها الله مارأيت فتقوم هي رعاها الله بترجمة ذلك إلى لغة الوقت.
كما كنت أرى جدتي الحبيبة رحمها تمسك بتلك الساعة الضخمة الرمادية ذات الأرقام الفسفورية والجرس الذي يوقظنا نحن وجيراننا، كانت تمسك بالساعة وتقف عند الشباك تنتظر أن يرفع آذان المغرب لتضبط عقاربها على الساعة الثانية عشر.
كان التوقيت الغروبي يعتمد الساعة الثانية عشر وقت آذان المغرب ولذلك يسمى غروبي، أما الزوالي وهو المعتمد الآن وتكون الساعة الثانية عشر وقت الزوال وهو عند تعامد الشمس على الأرض فينعدم ويزول الظل ولذلك يسمى زوالي.
تضبط جدتي رحمها الله الساعة على أذان المغرب ثم تقوم بتعبئتها (تمليها) فقد كانت الساعات ميكانيكية بالكامل ولا دخل للكهرباء بها حيث كانت الساعات تعمل بالزنبرك (الزلمبك) الذي يجب أن يشد بإدارة المفتاح الخاص به حتى يتوقف وبعدها يقوم بالدوران عكسياً ليدير تروس الساعة وعقاربها. أما الساعات ذات البندول فتدار عقاربها باليد وتعبأ بمفتاح ثم نحرك البندول لتبدأ الحركة.
ظللت فترة من الزمن أتدرب على قراءة الساعة بذات الطريقة حتى تم تأهيلي من قبل الوالدة حفظها الله وتم إختباري عدة مرات من قبل الوالد رحمه الله وبعدها أهداني ساعة جميلة وكم كنت فرحاً بها وكنت في العاشرة من العمر تقريباً. في صباح اليوم التالي، توجهت للمدرسة مرتدياً ساعتي الجديدة مزهواً بها وفِي الطريق استوقفني أحد كبار السن وسألني عن الوقت وكان ذلك شيئاً عادياً جداً فليس كل الناس وقتها لديهم ساعات. المهم نظرت في ساعتي وتأخرت قليلاً في الإجابة لأتأكد ولكن ذلك الرجل لم يمهلني. وبدأ يمطرني بوابل من الأسئلة، ولد مين انت؟ ابوك مين؟ كيف اهلك يشتروا لك ساعة وانت ماتعرف لها؟ ايش هذا البطر؟ ومضى في حال سبيله وانا في ذهول. عند وصولي للمدرسة، بدأ أقراني بمشاهدة الساعة وجاءت موجة جديدة من الأسئلة، جديدة أو مستعملة؟ عادي أو اوتوماتيك؟ سيكو او سيتيزن؟ كم قيمتها؟ فضية؟ ليش ما أخذت ذهبية؟ لو ذهبية تكون أحلى. عموماً مبروك.
بعدها تعودت على الإجابة سريعاً والتعامل بشكل أفضل مع من يسألني عن الوقت. وبعد أن أجيب على السؤال الأول، كنت دائماً ما أتلقى سؤالاً آخر وهو عربي ولا إفرنجي أي غروبي أو زوالي. وكثيراً ماكنت أرى الإمتعاض على وجه السائل حين أقول إفرنجي فيأتي السؤال الأخير، يعني كم عربي وعندها يحب أن تطرح ستة ساعات ثم تجيب وتكمل طريقك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *