البلاد – رانيا الوجيه
الثروة والمصانع والمشروعات والوكالات العالمية ، ليست أعظم ما يملك رجل الأعمال عبد الرحمن الجريسي، إنما أعظم ممتلكاته على الإطلاق أنه ملك نفسه، لم يصبح يوماً خادماً للمال ، لكنه استخدمه في خدمة وطنه ومواطنيه ودينه ، يقول الجريسي : ” أنا لا أعمل لتكديس الثروة ، لكن لتحقيق النجاح وتوجيه المال لخدمة ديني ومجتمعي”، والرجل بعيد كل البعد عن مظاهر الإسراف والبذخ وإهدار نعم الله،
يستبدل سيارته كل 5 أو 8 سنوات ، يلبس ويأكل ويسكن دون إهدار أو تقتير، يدعم الأعمال الخيرية والفعاليات الثقافية والوطنية وبرامج التدريب والتأهيل والسعودة ؛ انطلاقاً من إيمانه بأن :” أكرمكم عند الله أتقاكم وليس أغناكم، وأن التواضع يسعد المحيطين بالشخص، بينما التباهي بالثروة يشعر الناس بنقص إمكاناتهم وقلة حيلتهم”.
الجريسي أكد في حواره لـ”البلاد” أنه بدأ حياته بالعمل 16 ساعة يومياً بـ 20 ريال شهرياً .. ولبس ثوبين طوال العام.. وكان أقصى طموحه امتلاك محل تجاري، وأن توفيق الله واليتم والفقر.. كانت دوافعه للنجاح ، ورأى رؤية 2030 إبداع.. ومستقبل الاقتصاد والشباب واعد ، وأن ولي العهد سبب تفاؤله بالمستقبل.. وأنه يتجه للتصنيع وتوطين التقنية .. ناصحاً الشباب بالصبر والعمل الجاد والاقتداء بالقيادة الشابة.
“عصامية”..صنعت إمبراطورية اقتصادية
شعار الجريسي” الصدق مع النفس والآخرين” ؛ يفتخر بـ(عصاميته)وأنه شب يتيماً فقيراً ولم يكمل تعليمه ، وعمل في سن الـ 14 من عمره عملاً شاقاً مقابل 20 ريالاً شهرياً، وكان يرتدي ثوبين فقط طوال العام، بل يرى في كل هذه الظروف الصعبة أسباباً أثقلت شخصيته وخبراته وساهمت في نجاحه، وتأسيسه وامتلاكه مجموعة الجريسي الضخمة المشتملة على ؛ مؤسسات (بيت الرياض) و(الجريسي لخدمات الكومبيوتر والاتصالات)،و(أثيرلخدمات الإنترنت)،و(الجريسي للتنمية)و”الجريسي للتقنية”، و4 من أكبر مصانع الشرق الأوسط ؛ (الجريسي للأثاث)، و(البطاقات الذكية) و(ورق الكمبيوتر) و(ستيلكيس للأثاث) ، و قرابة الـ 500 وكالة لأشهر الماركات العالمية .
الطفولة والصبا
يستعيد الجريسي ذكريات الطفولة والصبا وبواكير الشباب قائلاً : ولدت في “رغبة” قرب الرياض ، وتوفي والدي وعمري سنتان ، انتقلت إلى الرياض وعمري 7 سنوات ، للعيش في كنف عمي الشيخ محمد الجريسي ، وكان رحمه الله تاجراً، درست في الكتاتيب ، والتحقت بالمدرسة الأهلية، وتركتها بعد 3 أعوام وعمري 14 لأبدأ رحلتي العملية.
ثلاثية.. الجودة
والسعر والخدمة
يشير الجريسي إلى 3 معايير أساسية التزم بتطبيقهم طوال مسيرته في التجارة وخلال كل نشاطه الاقتصادي ، حيث يضمن عميل مؤسساته؛ أولاً منتج على مستوى عال من الجودة ، ثانيا سعر أقل ، وثالثاً أعلى مستوى خدمة لما بعد البيع ، ويضيف أن : العميل الصغير يظل يحظى عندنا بأهمية العميل الكبير ، والصدق والحفاظ على الوعد يبقيان أساسين لمعاملة الجميع ، وينوه الجريسي إلى أن هذه المبادئ لا يحيد عنها مطلقاً ، وأنه بعد تجارب60 أو70 عاماً، ومن خلال زيارات ولقاءات وتعاملات وحضور فعاليات في مختلف دول العالم تبين أن ما طبقه بـ”الفطرة” المعايير والأسس العلمية للإدارة المحترمة والناجحة.
محل تجاري ..
كان أقصى طموحي
ويقر الرجل الذي قدرت مجلة “فوربس” العالمية ” منذ فترة” ثروته بـ 5 مليارات دولار ، بصراحته المعهودة ، أن ما وصل إليه لم يتخيله حتى في أسعد أحلامه: كان أقصى أحلامي أن يكون عندي محل تجاري وموظفين اثنين، ولم أتخيل أبداً أن يكون عندي كل هذه الأعمال و 5 آلاف موظف وعامل، منهم 4 آلاف يعملون في مجال التقنية، غالبيتهم مهندسون ومبرمجون وإداريون في مجال تقنيات الكومبيوتر.
التطور ومجاراة العصر
ويكشف الجريسي سر توسع وتطور مشروعاته وأعماله قائلاً: أتابع المتغيرات في العالم وليس المتغيرات المحلية فقط ، أبحث عن أحدث ما توصل اليه التخصص الذي أمارسه، على اتصال دائم بجديد العالم، تعلمت اللغة الانجليزية وأنا على رأس العمل ، وأزور دول العالم المختلفة للوقوف على آخر ما وصل إليه العلم : من لا يتطور يدهسه قطار الزمن.
أوسمة وتكريمات
يؤكد الجريسي أن : “قيمة الإنسان بما يقدمه لخدمة وطنه بصفة خاصة ، وللإنسانية بصفة عامة”، وبالفعل كان الرجل محقاً ، وكُرم محلياً ودوليا؛ لدوره في النهوض الاقتصادي داخل المملكة ، وفي تنمية التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي مع العديد من دول العالم ، وحصل على عدة أوسمة وتكريمات أبرزها؛ “وسام الملك عبد العزيز” من الدرجة الأولى عام 1991، وجائزة “المؤسسة الأميركية العالمية لتقييم المنجزات” عام 2000، وجائزة “الشخصية العالمية المميزة” في العام نفسه ، من مؤسسة “محمد الإسلامية” بمدينة شيكاغو الأميركية ، ووسام “بلجيكا الرفيع” عام 2002، ورجل العام 2004 من المعهد الأمريكي للسير الذاتية، وجائزة وميدالية “ابن سينا” الأوروبية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة ؛ للمآثر العظيمة تجاه الشعوب عام 2006 ، والوسام الياباني ” الشمس المشرقة” عام 2008.
عدة “شهادات دكتوراه” فخرية
“جامعة الحياة” أكثر تعليماً وأثراً وعمقاً في حياة الإنسان؛ هذا ما يعتقده الجريسي ، وما أكدته مؤسسات تعليمية وعلمية عريقة ، منحت الرجل عدة “شهادات دكتوراه” فخرية وشهادات شرفية أهمها ؛ دكتوراه في فلسفة الاقتصاد من جامعة كينسنغتون الأمريكية ، دكتوراه في فلسفة إدارة الأعمال من جامعة ولاية مونتانا الأمريكية عام 2000، ودرجة أستاذ وزميل في الاقتصاد من الجامعة نفسها عام 2001 ، وعضوية الأكاديمية الروسية للعلوم الاجتماعية 2007.
حكمة ووعي القيادة
ويشيد الجريسي بحكمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ، وبتقديمه الشباب لمواقع المسؤولية ، معتبراً اختيار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد؛ ضخاً للدماء الجديدة في شرايين الوطن ، بما يملكه سموه من رؤية ثاقبة ووعي بمتطلبات المرحلة ومتغيرات العصر ، داعياً الشباب لاتخاذ سمو ولي العهد قدوة في تحمل المسؤولية وإنجاز المهام على أكمل وجه ، ونصحهم بـ”الصبر والعمل الجاد” ، مؤكداً أن مستقبلاً مشرقاً ينتظرهم ؛ وينتظر الوطن بأكمله ، بفضل رؤية 2030 الإبداعية وخطط تنويع مصادر الدخل الوطني والتنمية المستدامة، والانتقال من اقتصاد “الريع” إلى الاستثمار.
حاضر اقتصادي مُحفز.. ومستقبل مُبشر
ويقول الجريسي إن المملكة بلد كبير تعادل مساحته 6 أو 7 دول أوروبية ، وهي أكبر مركز مالي وأقوى اقتصاد في الشرق الأوسط ، مدللاً على ذلك بأنه : حين كنت رئيس الغرفة التجارية بالرياض ورئيسا لمجلس الغرف السعودية لمدة 44 عاماً ، كنا كوفد سعودي عندما نزور أي دولة يحرص رئيسها على استقبالنا؛ لمكانة المملكة ومكانة القيادة وحجم الاقتصاد.
وكرجل أعمال واقتصاد يشدد على أن الوضع الاقتصادي في المملكة محفز ومشجع للعمل والاجتهاد ، أما المستقبل فيراه : بمشيئة الله واعداً ومبشراً.
أهداف “رسوم الوافدين”
ويرجع الجريسي القرارات الاقتصادية الصادرة مؤخراً ومنها الرسوم المفروضة على مرافقي الوافدين إلى أهداف وطنية نبيلة من ولاة الأمر؛ لكي يتيحوا الفرصة للشباب السعودي للانضمام لسوق العمل ، لكن في الوقت نفسه ستستمر علاقتنا بالعالم أجمع ، لتوظيف الشباب غير السعودي في الوظائف والمجالات المتوفرة لهم في البلد ، لأننا تعودنا على العمل معهم منذ عشرات السنين ، خاصة من الدول العربية الشقيقة، وساهموا معنا وأصبحوا جزءا من الكيان لأنهم كفاءات متميزة ومنتجة تستحق البقاء، والمملكة قادره على التعامل مع جميع المتغيرات ، وستستمر مستقبلا في جذب كل من يريد الاستثمار والعمل داخلها.
المستقبل في “التصنيع”