أم الدنيا الأرشيف

ذكــرى أميـــر الشعراء

تتذكر مصر والعالم العربي وفاة أمير الشعراء أحمد شوقي، وقد اختلف مؤرخوه فى يوم وفاته، البعض قال: إنه توفي يوم الخميس الثالث عشر من أكتوبر 1932،
يوالبعض قال: إنه توفي يوم الجمعة الرابع عشر من هذا الشهر، وأرى أن القولين صحيحان على وجه التقريب، ذلك أن «شوقي» أمضى يوم الخميس على ما اعتاده فى كل يوم، وفى المساء ذهب إلى (دار الجهاد) التى كان يرأس تحريرها صديقه: (توفيق دياب )، ثم عاد إلى منزله، وذهب للنوم، وفى الثالثة صباحا أيقظ خادمه، وطلب منه استدعاء الطبيب، واستدعاء أفراد الأسرة، لكن لم يلحق به منهم إلا قرينته وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ومن ثم صح عندى القولان، إذ إن سكرة الموت بدأت معه فى الحادية عشرة مساء تقريبا، أما الوفاة فقد وقعت فى الثالثة صباحا، أى فى بداية يوم جديد . وذكرى الوفاة تعيد إلى الذاكرة موقف النقد والنقاد من شوقي وشعره، وهو موقف أخذ مسارات ثلاثة:
المسار الأول: كان هو الانحياز المطلق لأمير الشعراء، وأحله أصحابه منصة الإبداع بجوار أعلام الشعر العربى من أمثال أبى تمام والبحترى والمتنبى وأبى العلاء.المسار الثانى: كان على النقيض من سابقه، فقد أوغل أصحابه فى الهجوم على شوقي، ووصفوا ما قدمه بأنه نكسة فى تاريخ الشعر العربي، لأنه بدلا من أن يتقدم بالشعر للأمام، تراجع به للوراء، وبين هذين المسارين يأتى المسار الثالث الذى وازن بين إيجابيات شوقي وسلبياته، ومن خلال المقارنة وضعه أصحاب هذا المسار فى مكانه الصحيح من مسيرة الشعر العربى .
ويمكن أن نحدد مستندات المسار الأول فى أن «شوقي» انتقل بالشعر العربى مما كان عليه من جمود وآلية إلى بداية التجديد والابتكار المؤسس على ما سبقه من موروث، أى أن تراثيته، تراثية الأصالة، لا تراثية التبعية العمياء، فهو أول المجددين الحقيقيين، فديوانه تضمن إرهاصات بمرحلة الرومانسية التى استفاضت بعده وضمت (الديوان وأبولو والمهجر)، ويكفيه أنه أول من أدخل المسرح الشعري إلى الثقافة العربية، وكان سفره إلى فرنسا، ثم نفيه إلى الأندلس من الأسباب التى أعطته مساحات واسعة للتجديد والإضافة، فضلا عن المكانة العالية التى أعطاها لمصر فى تاريخ الشعر العربي.أما مستندات المسار الثانى فتقوم على أساس أن شعر شوقي تقليد خالص للقدماء، وتجديده إن صح أن له تجديدا لا يضيف جديدا، وإنما يضيف إلى القديم قديما، فضلا عما فى شعره من نفاق للقصر والطبقة العليا من المجتمع، وقدموا بعض وثائقهم من خلفيته الثقافية التى تضم معظم الموسوعات، ومعظم دواوين الشعراء القدامى، وربما غالى البعض فرأى فى شوقى النموذج المحدث للمتنبي، فكل منهما ملأ الدنيا وشغل الناس. أما المسار الثالث فاعتمد إضافات شوقي، واحترم دوره التجديدي، والتمس له العذر فى بعض سلبياته التى فرضها عليه الشرط التاريخي.وهنا سوف يكون لنا وقفة مع هذه المسارات الثلاثة، وأعتقد أن أصحاب المسار الثاني اتسموا بكثير من العدوانية، وأوغلوا فى هجاء شوقي متناسين الشرط التاريخي، وكأنهم يطالبون «شوقي» بأن يقول من الشعر ما يوافق شرطهم التاريخي، وما يتوافق مع مذهبهم الفني، دليل ذلك أن معظم هؤلاء تراجعوا عما كانوا عليه بعد موت شوقي، أى أنهم لم ينصفوه حيا، إنما أنصفوه ميتا، فطه حسين الذى وصف «شوقي» بأنه مقلد خاص التقليد فى الثلاثينيات من القرن الماضي، عاد ليقول عنه عام 1955: (إنه أول المجددين)، والعقاد الذى خصص كتابه (الديوان ) لهدم شوقي، عاد ليقول إن «شوقي» أخرج الشعر من الجمود والآلية إلى الابتكار والتجديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *