أرشيف صحيفة البلاد

د. سعيد أبوعالي – التربوي الأكاديمي والمثقف .. لـ (البلاد): عينوني رغما عني مدير معهد .. وأنا ابن (19) فتفوقت على نفسي

حوار – بخيت طالع الزهراني

 

أول مرة رأيت فيها ” د.سعيد بن عطية أبو عالي ” كانت في نادي الباحة الأدبي خلال إحدى منتدياته قبل عامين . قرأت عنه الكثير وسمعت عنه أكثر , ومنذ الوهلة الأولى شدتني ملامح الرجل , وما يتمتع به من ” كريزما ” كبيرة , رأيت كثيرين يتحلقون حوله , يمحضونه تقديراً كبيراً , ويبادلهم بحفاوة نادرة , تعرفت على الرجل من على قرب , فوجدته ودوداً وأريحياً , رأيته بسيطاً لكن في ثقة , ومهيباً لكن من غير عقد ولا خيلاء .

 

 طرحت عليه فكرة هذا اللقاء فرحب مسروراً , لكنه أعطاني موعداً بعيداً بعض الشيء نظراً لكثرة التزاماته رغم أنه متقاعد . ثم كان الموعد فهذا اللقاء الذي أحس أنه ليس كل شيء في حياته الحافلة بتجربة طويلة , عمودها الرئيس عصاميته المدهشة , وقدرته على بناء نفسه بنفسه , في طموح أجزم أنه استقاه من جبال السروات الشاهقة التي ولد وعاش طفولته في كنفها , فتعلم منها كيف يكون صلباً من غير قسوة , وليناً من غير تمييع …
هنا تفاصيل حواري مع ابن بني ظبيان – وأحد القامات المعروفة في تربيتنا وتعليمنا وثقافتنا وأدبنا السعودي  .

1.سألته بداية أن يحدثنا عن مكان ولادته وطفولته , ثم عن مراحل دراسته حتى تخرج معلماً .. فقال:…
ج1.ولدت بقرية العبالة وهي إحدى قرى بني ظبيان في منطقة الباحة وفقدت والدي رحمه الله وأنا في سن الرابعة، وتولت أمي رحمها الله تربيتي، والحقتني للدراسة بمدرسة بني ظبيان وبعد أن ختمت قراءة القرآن وأتقنت الكتابة وتعلمت قواعد الحساب تركت المدرسة.
وأضاف قائلاً :عدت إلى المدرسة وكانت قد نظَّمت فصولها فالتحقت بالسنة الرابعة الإبتدائية.  مكثت بالمدرسة سنتين عامرتين بالمعرفة.  درسنا المناهج المقررة للسنة الرابعة والخامسة، ولكن أستاذي وشيخي وموجهي فضيلة الشيخ سعد بن عبد الله المليص,أطال الله في عمره,قرر علينا دراسة الجزء الأول من كتاب (فقه السنة) للسيد سابق، وكتاب (التحفة السنية) في قواعد اللغة العربية، ونظم لنا درساً نستمع فيه إلى تفسير آيات مختارة من القرآن الكريم مع الشيخ محمد بن حمود اليماني,رحمه الله , ونقوم نحن بإعراب الآيات المختارة أمامه وأمام الشيخ.

2.ماذا عن بدايات عملك الرسمي , ثم قصة تكليفك مديراً لمعهد المعلمين بالأطاولة؟
ج3.تدرجت في وظائف التعليم من مدرس إلى مدير المدرسة ثم عينت مديراً لمعهد المعلمين بالأطاولة .  جاء هذا التعيين على رغم إرادتي , حيث كنت أحقق نجاحاً في إدارة المدرسة , وأقوم بدراسة المرحلة الثانوية لدى زملاء من مصر وفلسطين.
وقال :حاولت الاعتذار عن إدارة معهد المعلمين ولكن مدير التعليم بمنطقة بلجرشي يومها (منطقة الباحة حالياً) فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن آل الشيخ أصرَّ على ذلك قائلاً:” ألست تطمح في النجاح والرقي؟!
وأضاف د.أبو عالي: سار العمل بالمعهد في ظل إدارة تعاونية (ابتدعتها) بيني وبين المدرسين والموظفين والطلاب. أدركت صغر سني (19 عامأً فقط)، وكوني أدرس منازل بينما زملائي كلهم يحملون شهادات جامعية ولبعضهم تجارب عملية. أشركت طلاباً في النصح لزملاء لهم كانوا يتأخرون في الصباح وبعضهم كان بالضرورة يغيب أياماً كل شهر.

3.كيف سارت حياتك العملية مديراً للمعهد , وما أبرز المواقف التي قابلتك وكيف تعاملت معها؟
ج3.أنشأنا بالمعهد صحيفة حائط يحررها الطلاب، وأسسنا مكتبة مدرسية وشجعنا على القراءة الحرة، وأقمنا معرضاً دائماً لرسوم الطلاب وأشغالهم اليدوية، وأقمنا دروس تقوية مجانية للطلاب في الصباح الباكر وقبل بداية الحصة الأولى وبعد صلاة العصر  وشجعنا الألعاب الرياضية المختلفة, وأقمنا مسابقات ثقافية ومساجلات شعرية بين طلاب المعهد وبعضهم البعض، وشاركنا بفريق كرة السلة في دوري معاهد المنطقة، وغير ذلك من الأنشطة المدرسية.
وقد مكثت في المعهد عامين دراسيين وتخرج فيه دفعتان وكانت الأسئلة للسنة الثالثة تأتي من الرياض، ويشرف على اختبارات السنة الثالثة النهائية لجنة تختار الوزارة رئيسها وأعضاءها، نخلي لهم كامل مبنى المعهد والتصحيح مركزي بالرياض، والنتيجة تعلن من الإذاعة .. وقد نجح جميع طلاب السنة الثالثة في كل عام بنسبة 100% والحمد لله على ذلك.

4.كيف واصلت تعليمك الثانوي ثم الجامعي وكيف وفقت بين العمل والدراسة؟
ج 4.في عام 1384- 1385هـ استقلت من الوظيفة والتحقت طالباً منتظماً بكلية التربية بمكة المكرمة قسم اللغة الإنجليزية .. وكانت الكلية تتبع وزارة المعارف (التربية والتعليم حالياً) وتخرجت فيها بتقدير جيد جداً وكنت الأول على الدفعة.

5.حدثنا عن بعثتك للولايات المتحدة وحصولك على الماجستير والدكتوراه ؟
ج 5- عينت معيداً بالكلية وسافرت للدراسات العليا في شهر رجب عام 1389هـ.
عدت في شهر رمضان عام 1395هـ بدرجة الدكتوراه , وقد أصبحت الكلية جزءاً من جامعة الملك عبد العزيز , وعينت مساعد مدرس (أستاذ مساعد).
وفي رجب عام 1398هـ اختارتني وزارة المعارف للعمل مديراً عاماً للتعليم بالمنطقة الشرقية.

6.من أبرز محطاتك العملية عملك مديراً عاماً للتعليم بالمنطقة الشرقية . كيف مضت تلك الفترة . وما المحطات الأبرز فيها ؟
ج 6.في تعليم المنطقة الشرقية – زملائي الإداريين والقادة التربويين وأنا – اعتمدنا أسلوب الإدارة بالأهداف..  وكان الهدف الأبرز رفع مستوى التحصيل الدراسي لدى جميع الطلاب لننافس المناطق الأخرى . واقتضى الأمر عقد دورات تدريبية للمعلمين لتحليل مفردات المناهج المقررة في كل مدرسة ، وتعزيز دور مدير المدرسة ليمثل مدير التعليم في مدرسته ، وتقديم طرق تدريس جديدة ، وأساليب مبتكرة للاختبارات .. منها الأسئلة ذات الإجابات المتعددة ، والسؤال المطلوب الإجابة عنه في مقال.
وأقمنا دورات متخصصة في كل مقرر دراسي , ومن ذلك مقرر التربية الفنية , ومقرر التربية الرياضية.
وأقمنا دورة لجميع المدرسين لتلاوة وتجويد القرآن الكريم.  وتعاون معي في هذا الصدد جميع زملائي الموجهين , وكذلك بعض المدرسين من بعض المدارس . وأعطينا للدورات قيمتها التدريبية من حيث الحضور والمشاركة والخروج منها بمعلومات جديدة مفيدة.
بذلت مع زملائي احتراماً وتقديراً لمدير المدرسة التي لا يحتاج طلابها إلى دروس تقوية لأن مستوى التحصيل الدراسي مرتفع لدى الطلاب.  وكذلك أشدنا بالمدرسة التي تحافظ على النظافة وأطلقنا حملة (حافظ على نظافة مدرستك).
أعطينا لمدير المدرسة صلاحية منج الإجازة الاضطرارية في حدود ثلاثة أيام للمرة الواحدة .  واستجبنا لرأي مدير المدرسة في تطبيق النظام على المدرسين المتكرر غيابهم أو تأخرهم.
تعاونا مع الجامعات والكليات بالمنطقة للشراكة في إقامة الدورات التدريبية للمعلمين والقيادات التربوية.
تعاونا مع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في إعداد مسيرات الرواتب على الحاسب الآلي..  وسهل لنا ذلك العمل بالإدارة مما جعلنا نصرف الراتب غالباً مع نهاية كل شهر.
تعاونا مع معهد الإدارة حول تنظيم حركة الخطابات الواردة والصادرة وما أكثرها.

7.كيف تنظر للاستثمار في التعليم الجامعي من خلال تجربتك عميداً ومؤسسا لكلية الباحة الأهلية للعلوم ؟
ج 7.التعليم بحد ذاته هو عملية استثمارية للوطن عموماً في إنسان الوطن.  وبلادنا تحتاج إلى مواطنين يحبون (العمل) ويتزودون (بالعلم) .  إن العلم سبيل النجاح في الدنيا والآخرة..  وهو مفجِّر القدرات الخلاقة في الشباب كما هو أساس التنمية البشرية ، وعماد الاستثمار الاقتصادي، وركيزة التقدم العلمي والصناعي والزراعي.
لذلك فإن توجيه رؤوس الأموال الوطنية للاستثمار في التعليم أمر حضاري بالدرجة الأولى , وهو في نفس الوقت استثمار للمال في الاتجاه السليم.

8 .اقتربت من نادي الباحة الأدبي , وأيضاً من نادي المنطقة الشرقية الأدبي , كيف عشت التجربتين الأدبيتين؟
ج 8 .لم اقترب من نادي الباحة ولا من نادي الشرقية الأدبي بل كنت جزءاً من كل منهما.
نادي الشرقية كان لي شرف عرض فكرته على صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد عبد العزيز,حفظه الله,عندما تقلد إمارة المنطقة الشرقية، وشرفني بزيارة شقيقه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز الرئيس العام لرعاية الشباب لكي أشرح لسموه مدى الحاجة إلى نادِ أدبي بالمنطقة , حيث كان رحمه الله أميراً للشباب وراعياً للشيوخ.واستضافت الإدارة العامة للتعليم بالمنطقة الشرقية النادي عندما أسس لمدة سنتين باعتبار النادي والمدرسة وجهان لعملة واحدة.
أما نادي الباحة فقد تشرفت بعضويته وبذلت جهدي لتأسيس مسارات الإبداع فيه , حتى أن المنتدى الأدبي السنوي بالنادي,والذي يقام كل عام حتى الآن كان فكرتي التي حظيت بموافقة مجلس إدارة النادي برئاسة أستاذي الشيخ سعد المليص.

9 .جائزة مكتب التربية العربي لدول الخليج , بدأت قوية ثم تراجعت بحسب ما يراه البعض , أنت ماذا تقول ولك تجربة عملية معها؟ .
ج 9 .جائزة مكتب التربية العربي , وكما تفضلت بدأت قوية .. ولكن الروتين الإداري أنهك قواها.

10 .في مجتمعنا من يردد عن المتقاعد – تندراً – مقولة ” مت – قاعد ” في دلالة على ضعف الاهتمام بهذه الفئة , أنت ومن خلال عملك في مجلس إدارة الجمعية الوطنية للمتقاعدين , ماذا تقول؟ .
ج 10.التقاعد مرحلة عمرية من مراحل عمر الموظف سواءً بالحكومة أو بالقطاع الخاص.  والحصيف هو من يعدُّ لها حتى تستمر دليلاً على مسيرته وجهوده. والمتقاعد يمثل المعرفة والخبرة والإنجاز , ولابد أن يبني مشروعه (التقاعدي) عليها.
أما الجمعية الوطنية للمتقاعدين فهي في بداياتها , وهي مؤسسة اجتماعية..  وأتوقع لها مستقبلاً باهراً كلما انتشر الوعي بجدوى مؤسسات المجتمع المدني.

11 .أصدرت مجموعة من المؤلفات القيمة , ما ظروف كتابتك لها , وما أقربها لقلبك؟ .
ج 11.أصدرت حتى الآن ثمانية كتب ولا أميز بينها فكلهم أولادي.

12.من أبرز الشخصيات العامة التي تفاعلت معها في مجمل حياتك العملية الحافلة سواء كانوا رسميين أو من العامة؟ .
ج 12.عملت مع كثيرين.. وأبرزهم زملائي في كل موقع. فقد حققت معهم بعض النجاحات أما هم (زملائي) .. فكل واحد منهم مشروع نجاح متكامل. استفدت منهم في المدرسة الابتدائية وفي معهد المعلمين، وفي جامعة أم القرى وفي تعليم الشرقية، وفي جائزة سمو الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز، وفي النادي الأدبي، وفي مجلة الشرق وحالياً في جائزة يوسف بن أحمد كانو (البحرين) ..وفي نادي الصم بالمنطقة، وفي مشروع الزواج الجماعي لأهالي ساحات وادي العلي.

13.خلال رحلاتك الكثيرة لابد وأن قابلت بعض الواقف الطريفة ..حدثنا عنها؟
ج 13.أول ما وصلت مطار نيويورك عام 1970م حاولت حجز فندق عن طريق الهاتف وجمعت أرقاماً لخمسة فنادق.  وذهبت للهاتف وكان معلقاً في غرفة صغيرة كان بابها يقفل نفسه . وتحت الهاتف لوحة للكتابة . أعجبت بهذا وفجأة ملأ الإحباط نفسي فالتلفون – في نظري – عاطل لا يعمل.  انتقلت إلى ثلاثة هواتف واحداً بعد الآخر..  وأخيراً قلت لزميلي:” يقولون أمريكا –  وكل شيء ممتاز في أمريكا , وهذه تلفوناتهم عطلانه. ” !! 
وذهبت إلى موظفة استعلامات وشرحت لها ما حدث بحدَّة..  لكنها ابتسمت وسألتني كم وضعت بصندوق الهاتف.  اجبتها بالنفي .. فأرشدتني إلى (تغذية الهاتف) بما هو مطلوب من النقود..

14.ماذا عن جائزة والدك عطية بن مسفر أبو عالي لتحفيظ القرآن الكريم ؟
ج 14.والدي عطية وأمي صندلة بنت سعيد العجمة,رحمهما الله, كانا يحبان القرآن والقراء والعلماء , ويستضيفونهما أسبوعاً وأكثر , وخاصة أولئك الذين يأتون من (اليمن) الشقيق في طريقهم للحج وأثناء عودتهم إلى بلادهم . والداي عاشا في حبِّ ومودة.  رأيت أن أبادلهما الحبَّ بالدعاء لهما من خلال (جائزة الوالدين لتكريم حفظة القرآن الكريم).

15.كيف تنظر للصالونات الأدبية الخاصة في بلادنا , وما الذي حققته من منجزات ؟
ج 15.الصالونات الأدبية أو سمِّها المنتديات الأدبية الأهلية تقدم خدمات جليلة في سبيل تنمية الثقافة والأدب..  وكل منها في تصوِّري يوفر بيئة صالحة للأدباء الكبار والأدباء الناشئين..  إنها مكسب وطني يستحق الإشادة والحضور والمؤازرة.

16.كخبير تربوي ما الذي يحتاجه التعليم في بلادنا ليقدم لنا مخرجات عالية ومنافسة تصنع الفارق على الأرض ؟.
ج 16.أمسك عن الكلام في التعليم حالياً حتى نسمع عن خطة الأمير والشاعر والمفكر والفنان وأقول الآن (المربي) صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز.  فالرجل لديه رؤية عن تقدم الأمة ورقيها والتعليم هو الوسيلة الناجعة لتحقيق التقدم.

17 .مجالس المناطق . هل تراها عملية بما فيه الكفاية . أم أنها مجالس صورية لم تحقق هدفها وبالتالي تطلعات الأهالي؟ .
ج 17.مجالس المناطق تمثل خطوة راسخة على طريق التطوير الإداري..ولا تستطيع أن تتقدم خطوات إلا عندما نعتمد ميزانية مستقلة لكل منطقة..وأرى ذلك قريباً إن شاء الله.

 
CTRL + Q to Enable/Disable GoPhoto.it