إن من يصغي الى كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ورعاه ـ التي وجهها لأبنائه المواطنين، وما تبعها من أوامر ملكية تاريخية يخرج بالكثير من الدلالات المضيئة التي ترسم مشاهد المستقبل الزاهر لهذه البلاد في ظل النصر والتمكين لهذا الدين الذي اختار الله عز وجل أرضها مهدا لرسالته وقبلة لأهله ثم أنعم عليها بقيادة رشيدة تحمل رايته ، على هدي من الكتاب والسنة، ليحقق بجهودها ما وعد به لدينه من الظهور والتمكين الى يوم القيامة.
وإن المرء المنصف عندما يعلم ما وعد الله به اتباع هذا الدين من النصر والتمكين يجد أن الأوامر الملكية التاريخية تجسد جانبا عظيما من ذلك التمكين، وهي الأوامر التي تمثل بحد ذاتها اعلاء لكلمة الله ورفعة لدينه وتعظيما لشعائره، وتكريما لعلمائه والقائمين بأمره ويلمس من خلالها تقوى الله في رسم وتنفيذ سياسات بلاد الحرمين الشريفين لقوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج (32).
وقد بدأت تلك الأوامر المباركة الهادفة الى خدمة هذا الدين واعلاء شأنه بتكريم العلماء وحماية جانبهم امتثالا لقوله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) المجادلة (11). ولا شك أن رفع شأن أهل العلم رفع للدين وتعظيم له، ومما يسهم في تعظيم الناس له، وما يتبع ذلك التزامهم به وتقيدهم بأوامره ونواهيه، وبذلك يتحقق وجود المجتمع الإسلامي الصالح العامل بهدي الكتاب والسنة.
وبعد اعلاء شأن العلماء جاءت خدمة بيوت الله وذلك بتخصيص مبلغ (500) مليون ريال بشكل عاجل لترميم المساجد والجوامع في جميع انحاء المملكة على هدي من قوله تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) التوبة (18). وتخصيص مبلغ (200) مليون ريال بشكل عاجل لدعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم، وتخصيص مبلغ (300) مليون ريال بشكل عاجل لدعم مكاتب الدعوة والإرشاد، الى جانب دعم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمبلغ (200) مليون ريال لاستكمال بناء مقرات لها في مختلف مناطق المملكة.
وسوف يكون لهذه الأوامر الملكية أثرها العظيم في خدمة الشؤون الإسلامية للقيام بالمهام والمسؤوليات المناطة بها، في إعمار وصيانة بيوت الله تبارك وتعالى لرفع ذكره فيها، وإقامة الركن الثاني من هذا الدين والذي لا يمكن أن يقوم إلا به، وكذلك القيام بنشر كتاب الله وحفظه من خلال دعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم لتربية النشء على الكاتب العظيم بعيداً عن أسباب ووسائل التشويش والانحرافات الفكرية بما فيها من غلو وتطرف، ليخرج من تلك الحلقات جيل قرآني يحمل وسطية الدين وسماحته ورحمته، وتهيئتهم وإعدادهم للإمامة والخطابة والدعوة في بيوت الله، والتي تكون جاهزة ومهيئة بدورها لاستقبال واحتضان ذلك الجيل ليتلقى فيها دروس الحفظ والتلاوة والتجويد من خلال حلقات التحفيظ التي تنتشر فيها وقد لبست أبها حلل الجمال التي نسجها خادم الحرمين الشريفين وأمر بأن تكسى بها بشكل عاجل، لتزداد بها بهاء وجمالا باضاءة مصابيح الهدى والنور التي يحملها الجيل القرآن المرتوي هدى وتقى بحفظ كتب الله، والذي يحقق في الوقت نفسه جانبا عظيما من جوانب خيرية هذه الأمة بتعلم وتعليم كتاب الله لقوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
ويكتمل عقد منظومة الأوامر الملكية المباركة بدعم مكاتب الدعوة والارشاد المنتشرة في جميع انحاء المملكة والتي تدعو الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة على منهج السلف الصالح بوجود نخبة من الدعاة الى الله، والذين حرصت الوزارة على اختيارهم لأداء تلك الشعيرة العظيمة، وتعمل على متابعة توجيههم وتقويم أعمالهم، وتهيئة جميع الوسائل التي تعينهم على أداء واجباتهم وفي مقدمة ذلك التقنيات الحديثة التي يتطلبها العمل الدعوي، وسوف تستفيد تلك المكاتب من الدعم الملكي المخصص لها استفادة عظيمة، سوف يلمس ويعيش الجميع أثرها الطيب في القريب العاجل إن شاء الله تعالى، من خلال البرامج والأنشطة التي تترجم الأمر الملكي على أرض الواقع.
وهذا الدعم المبارك من لدن خادم الحرمين الشريفين للشؤون الإسلامية ليس بالأمر الغريب ولا الجديد على القيادة الرشيدة التي تستشعر مسؤولياتها الدينية والتاريخية نحو هذا الدين الذي بنيت عليه على يد مؤسسها الأول الإمام محمد بن سعود ـ رحمه الله ـ والذي استهدف من إقامتها اعلاء ونصرة الدين والدفاع عنه، والتزم أحفاده نهجه العظيم، حتى جاءت في طورها الثالث على يد مؤسس هذا الكيان الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ الذي استلهم المبادئ الخالدة لملك آبائه وأجداده، وأسس عليه هذه الدولة الآخذة بأسباب التطور والنمو الحضاري الحديث على هدي الدين الحنيف، ولتكون بذلك آية على ظهور هذا الدين وخلوده، والذي سوف يزداد قوة وتمكينا بالأوامر السامية التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ورعاه.
د/ محمد الامين بن خطري أحمد الطالب
المدير العام لفرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف
والدعوة والإرشاد
بمنطقة المدينة المنورة