جدة ـ وكالات
ثمة توصيف سياسي يطلق على حالة الافتعال التي تمارسها الدولة في علاقتها الخارجية، فطهران مثلاً اختارت “دبلوماسية النار” لإشعال الدول التي يوجد فيها سفراؤها وممثلوها، تعريف أخرى للعمل الدبلوماسي مستوحاة من عقلية الإرهاب وإقصاء الآخر، وهو الأمر الذي يعزيه كثيرون إلى أن اختيار سفراء الملالي الذين يفترض أنهم تابعون لوزارة الخارجية يتم عبر مليشيات الحرس الثوري الإيراني التي لا تعرف سوى لغة الاضطرابات والتقسيم والتدخل في شؤون الغير.
وسبق أن سلطت تقارير إعلامية الضوء على طرق اختيار سفراء إيران في العالم، مستندين إلى دراسة أصدرتها الرابطة الأوروبية (EIFA) عام 2015، حيث أشارت إلى أن “الحرس الثوري يهيمن على السياسة الإيرانية الخارجية”، مؤكدة أنه “في دول مثل (العراق، وسوريا، وأفغانستان)، فإن سفير النظام الإيراني يأتي ولا بد من بين صفوف الحرس الثوري الإيراني، أو يتم اختياره من بين الأفراد المقربين للغاية من قيادات الحرس الثوري الإيراني، ويتم ذلك على هذا النحو من أجل تمكين الحرس الثوري الإيراني من تنفيذ الأنشطة وتعزيز الأهداف عن طريق استغلال الفرص السانحة التي توفرها الحصانة الدبلوماسية للسفارات وموظفيها ولشخصية السفير نفسه”.
ولم تسلم أوروبا أيضاً من توسعات إيران التدميرية تحت ستار الدبلوماسية، فكانت قاب قوسين أو أدنى من تفجير يطالها في باريس، مستهدفا معارضين للنظام الإيراني.
فقد اعتقلت السلطات الألمانية، دبلوماسيا إرهابيا يتبع نظام الملالي ويدعى أسد الله أسدي، وذلك بتهمة محاولة هجوم إرهابي على المؤتمر السنوي العام للمعارضة الإيرانية في باريس.
والدبلوماسي الإرهابي هو المخطط الرئيسي للهجوم، وكان يعمل في مركز مخابرات نظام الملالي في النمسا منذ أغسطس 2014. أمّا الإرهابي والإرهابية المعتقلان في بلجيكا فهما أمير سعدوني ونسيم نومني المقيمان في مدينة أنتيورب البليجيكية.
وقبل أسد الله أسدي كان شخص آخر باسم مصطفى رودكي يعمل كرئيس لمركز المخابرات في سفارة النظام في النمسا، إلا أنه انتقل إلى طهران، ثم في العام 2017 أصبح رئيساً لمركز المخابرات في سفارة النظام الإيراني في ألبانيا للتآمر ضد مجاهدي خلق في ألبانيا.
كما أعلنت النمسا أنها طلبت من طهران رفع الحصانة عن دبلوماسي في سفارة إيران بفيينا يشتبه بتورطه في خطة اعتداء أحبطت ضد تجمع لحركة إيرانية معارضة، السبت الماضي، في باريس.
وقالت وزارة الخارجية الإيرانية، إنه طلب من إيران “رفع الحصانة الدبلوماسية الإيرانية عن الدبلوماسي” الذي أوقف، السبت الماضي، في ألمانيا.
وتطالب المقاومة الإيرانية بغلق سفارات وممثليات النظام الإيراني، ومراكز الإرهاب والتجسس وطرد عناصر المخابرات وقوة فيلق القدس من البلدان الأوروبية.
وكانت مريم رجوي، زعيمة المعارضة الإيرانية قد طالبت، الإثنين الماضي، الدول الأوروبية بغلق السفارات الإيرانية على أراضيها، مؤكدة أن نظام الملالي فى إيران يستخدم” دبلوماسيين إرهابيين”.
وقالت: إن المخطط الإرهابي الذي تم كشفه واستهدف مؤتمر المعارضة الإيرانية فى باريس “مخطط للملالي لقتل أفراد عزل، ويضطلع فيه دبلوماسيون إرهابيون لنظام الملالي وعناصر مخابراته”.
وأضافت رجوي، خلال تغريدات عبر حسابها على تويتر، أنه :” كان أهالي خرمشهر قد أبدوا كراهيتهم لروحاني وخامنئي مثل أهالي طهران وسائر المدن الإيرانية في تظاهرات كبيرة لأهالي خرمشهر قُمعت بالرصاص”.
وشهدت العاصمة الفرنسية الأيام الماضية فعاليات المؤتمر السنوي لـ”المعارضة الإيرانية”، حيث استضاف المؤتمر جلسات العمل تدور جميعها حول بحث سبل التخلص من نظام ولاية الفقيه القمعي داخل إيران مع تصاعد الاحتجاجات داخليا، والتوصل إلى رسم خارطة طريق لمستقبل طهران وسط المنطقة، في ظل حكم بديل ديمقراطي بعد سقوط الملالي.
ثم ان أوروبا لم تكن الضحية الوحيدة لـ”دبلوماسية النار” الإيرانية، التي سبق وأن أشعلت الجزائر مطلع عام 2018، وذلك حين عاد الملحق الثقافي الإيراني في الجزائر أمير الموسوي لإثارة الجدل من جديد، من بوابة ما أجمع كثير من الجزائريين على أنه “إساءة مباشرة لهم”، وهو ما استوجب دعوات كثيفة بطرده من البلاد.
وفي تصريح خارج عن الأعراف الدبلوماسية، التي تستلزم واجب التحفظ، وعن مهامه كمستشار ثقافي، تهجم أمير الموسوي على أنيسة بومدين، أرملة الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين (1965 – 1978)، على خلفية تصريح لها أمام لقاء نظمته المعارضة الإيرانية في العاصمة الفرنسية باريس؛ حيث أعربت عقيلة بومدين عن أملها في “سقوط قريب لنظام الملالي، وأن يحكم إيران امرأة”، قاصدة بذلك زعيمة المعارضة الإيرانية، مريم رجوي.
المستشار الثقافي الإيراني استغل موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” للتهجم على أنيسة بومدين، من موقعه كدبلوماسي إيراني في الجزائر، ووصف تصريحها بأنه “أوراق محروقة لأعداء إيران”.
وكتب: “لو كان الرئيس بومدين حيا، ماذا سيقول لزوجته التي تموضعت مع الانبطاحيين والإرهابيين، وتناغم صوتها مع هؤلاء أعداء الإنسانية الذين توحدت أصواتهم ومواقفهم في المطالبة بإسقاط خيار الشعب الإيراني المقاوم واستبداله بخيار محور الصهيو أمريكي التكفيري”.
هذه الكلمات كانت كافية لتفتح على الموسوي جميع أنواع الشتم والانتقاد عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتثير غضب الجزائريين، مطالبين السلطات بطرده من البلاد.
وأدت سياسات نظام الملالي العدائية عبر دعم المليشيات العسكرية الموالية له لتنفيذ أهدافه التخريبية بالمنطقة، إضافة إلى التدخل في شؤون دول الجوار، وتهديد السلم والأمن العالميين إلى عزلة إيران دبلوماسيا في عدد من الدول، ونأت دول أخرى بنفسها عن التورط مع طهران، في علاقات من شأنها الإضرار بها.
وسبق لصحيفة “كيهان” اللندنية المعارضة أن سلطت الضوء على أزمة السفارات الإيرانية بالخارج.
وأشارت إلى أن تلك السياسات نجم عنها خلو نحو 6 دول من التمثيل الدبلوماسي الإيراني بدرجة سفير من بينها سويسرا، في الوقت الذي لا تتواجد سفارة إيرانية من الأساس في نحو 9 دول أخرى، حيث تقتصر في تعاملاتها على أدنى درجة دبلوماسية هي القائمة بالأعمال، لكونها ترفض الدخول مع النظام الإيراني في تبادل دبلوماسي على مستوى أرفع في ظل استمرار سياساته العدائية.
ونوهت في الوقت نفسه إلى القطيعة الدبلوماسية القائمة بين إيران والمملكة على إثر هجوم شنته مليشيات الباسيج التابعة لمليشيا الحرس الثوري على مقر سفارة الرياض في طهران قبل عامين.
وأوضحت “كيهان”، أن كندا هي الأخرى لا تزال ترفض تطبيع علاقتها تماما مع إيران على إثر واقعة مقتل زهراء كاظمي الصحفية الكندية من أصل إيراني، داخل زنزانتها في معتقل طائفيين” سيئ الصيت شمال طهران، بعد اعتقالها في عام 2003، إلى جانب منع سفر واحتجاز هوما هودفر الأستاذة بالجامعية الإيرانية الحاصلة على الجنسية الكندية، في 2016.