أرشيف صحيفة البلاد

خلك شاطر

كثيراً ما نسمع من المراجعين في المستشفى شكواهم وتذمرهم ودائماً ما نرى أشخاصاً يتحدثون إلى أقرانهم بزهو وخيلاء وهم يرددون: الحمد لله أني كنت موجوداً وإلا كارثة كادت تقع الممرضة حاولت أن تقنعني بأن هذا هو النظام على بالها بيمشي علي هذا الكلام بس أنا مفتح لهم وترى صاحبه في الحديث يشد من أزره ويؤيده على كل كلمة قالها بل على كل حرف نطقهاوكأنه القاضي الذي ينطق بالحكم النهائي من دون أن ينتظر دفاعا من الطرف الآخر•
وبما أني فرداًمن الطرف الآخر فأنا أعلم بأن للقصة فصلاً خفياً لم يروى وبأن هذا الفصل المخفي منه المضحك ومنه المبكي لكنه كفيل بتغيير جميع أحداث القصة•
فأنا مثلاً لا أنسى قصة الأخ المراجع عيادتي لإستكمال إجراءات صرف جهاز لوالده”CPAP Machine”وقبيل أن يوقع توقيعه الأخير علمت بأن الجهاز المصروف لوالده قديم نسبياً وبأن لدينا جهاز أحدث منه•
أوقفته قائلة:سوف أستبدل بجهازك القديم جهازاً أحدث منه!! قلت جملتي تلك وأنا أنظر إليه منتظرة منه عبارات الشكر و الامتنان لمعروفي هذا لكنه فأجاني بنظرات تملؤها الريبة والشك وقال لي :لا شكراً أنا أريد هذا الجهاز القديم ؟!!
لم أصدق ما سمعته أو ما رأيته ورجعت انظر إلى عينه لأقرأمنها ما لم يستطع قوله(لا يمكنك خداعي أنت تريدي أخذ هذا الجهاز وأعطاه شخص آخر) •
عرفت أن النقاش معه عقيم لذلك رددت عليه ببرود:( ربما هذا القرار أفضل لي ولك لقد أرحتني من عناء إعادة الإجراءات وقع هنا من فضلك) لكنه لم يوقع رجعت ونظرت إلى عينيه لأجد فيها صراعاً مريراً ومئات التساؤلات لكنه هذه المرة خاطبني بلسانه وليس بعينه (ما هي مصلحتك من تغيير الجهاز؟)اجبته: ببساطة أريد الأفضل لوالدك!!
لكن إجابتي لم تكن بسيطة بالنسبة له بل بدت لغزاً غامضاً مستعصياً عليه حله
إنه واقع بين نارين : بين أن يرفض عرضي ويعتبرها نقطة إيجابية له (شطارة) لأنه أفسد مخططاتي اللانسانية بانتزاعي منه الجهاز الأصلي النادر لأبدله بآخر مزيف وبين أن يخسر فرصة الحصول على الجهاز الأفضل لوالده والذي هو في أمس الحاجة إليه•
ولكن هل يعقل بأنه لا يزال هناك أشخاصاً مستعدون تقديم الأفضل بدون مقابل وبدون معرفة وبدون واسطة•
هل عليه أن يثق بشخص غريب أم يثق بقلبه الذي تعود وتتطبع بمقولة (خلك شاطر لا يلعبوا عليك) •
مرت دقائق أحسستها كالساعات وكأن الوقت قد توقف وكاد لساني يفصح عما في قلبي من أسئلة: ما متعة هذه الحياة وقيمتها إذا كان الشك يراود الأنسان في كل كبيرة وصغيرة؟وهل يعقل بأنه لا يوجد في هذه الأيام عملاً صالح يفسر قربة لوجه الله خالصأ من غير أن يشوبه منفعة أو مصلحة؟يا ترى ما هي اعتقادات هذا الشخص الواقف أمامي؟ وما هي سلوكايته؟ بدا لي وكأنه خائف من أن يقع في مصيدة (كما تدين تدان)!!!
أعدت عليه طلبي: لو سمحت وقع هنا رفع رأسه وقد بدت على ملامح وجهه الهدوء كأنه تصالح مع نفسه أو خطرت له فكرة أخيرة تتيح له المساومة للحصول على أفضل صفقة!!
(سأخذ الجهاز الجديد لكن إذا لم يتحسن عليه والدي سأعود وأخذ القديم)(كما تريد) بهذه الجملة أنهيت نقاشنا و أعطيته الجهاز•
خرج من العيادة ليقابل أخاه ويسأله: لم تأخرت كل هذا الوقت؟ رد بامتعاض: أجراءتهم طويلة ومعقدة !!!
يا ترى لماذا لم يحدث أخاه عن شطارته وبطولته وبأنه استطاع الحصول على جهاز حديث عوضاً عن القديم!!! يا ترى ما هي القصة التي سيرويها لأخيه عندما يبتعد عن عيادتي بضعة خطوات وما هي فصولها المخفية !!!
*زينب المتروك