م/ شاهر محمد رقام
إلى روح أبي رحمه الله في ذكراه الثانية وإلى كل أب وأم.
كنت في تلك اللحظة أسرح بفكري تائهاً في ملكوت الله حين تناهت إلى مسامعي “طيب…. راح أقول لأبوك”.
ارتعدت فرائصي وقتها وعدت من عالمي الخاص إلى أرض الواقع. لحظة عدت فيها نصف قرن أو يزيد. لم أعد أدري ما عساي أن أفعل. بدون أن انتبه همست بتوسل “خلاص والله أتوب …. والله ما راح أعيدها، توبة والله توبة، بس لا تقولي لو”
بعدها إنتبهت أنني أنا المقصود بكلمة “أبوك” فتبسمتُ ثم ما لبثتُ أن أقهقه. نعم لم أعد أنا المقصود بالتهديد. لم أعد ذلك الولد المشاكس. إنتهى عهد الشقاوة وانتهت معه أجمل أيام العمر.
ثم أطرقت، ترى ماذا عساي أن أصنع وكيف أتصرف معه إذا وصلت الشكوى إليّ؟ ما أصعب هذه المسؤولية.
في الماضي، كنت أتمنى أن أكون أنا الأب. فلا أحد يشتكي الأب ولا أحد يعاقبه. كنت أحسبه سعيداً ومرتاحاً. كنت أظن دور الأب سهلاً وبسيطاً، كنت أعتقد أن التربية هي الضرب والعقاب. ما أسهلها، ولد غلط، أضربوه. أين الصعوبة في ذلك؟ هذا ما كنت أظنه.
الْيَوْمَ أصبحت أدرك كم تعب أباؤنا في سبيل سعادتنا. لم يكونوا يستمتعون بعقابنا ولا كان يسعدهُم ذلك. بل كانوا يتحاشونه في أغلب الأوقات ويحاولون مرة بالتغافل ومرة بالنصح والتوجيه وأخرى بالتهديد والوعيد.
الْيَوْمَ بت أتمنى لو يعود بي الزمن لحظة لأعود ذلك الولد المشاكس وأفعل ما يحلو لي. وفِي كل مرة أحلف وأبكي كذباً أو صدقاً وأتوسل وأقول ” خلاص أتوب……. والله ما راح أعيدها”.
فليرحم الله آبائنا وأمهاتنا بكل قطرة عرق بذلوها من أجلنا، بكل خطوة من أجلنا، بكل كلمة طيبة من أجلنا، فليرحمهم الله بكل ما فعلوا وبذلوا وبكل ماكانوا ينوون فعله ولَم يستطيعوا. اللهم أكرمهم كما أكرمونا وأرحمهم كما رحمونا. اللهم اجمعنا به في مستقر رحمتك. اللهم ارحم آبائنا و أمهاتنا ومعلمينا وكل من علمنا وأحسن إلينا.
اللهم أعنا على تربية أبنائنا، اللهم أهدهم وأرحمهم ووفقهم ووسع أرزاقهم وأنر بصائرهم وقلوبهم بنورك يا أرحم الراحمين.