أرشيف صحيفة البلاد

خاتمي يتحدى خامنئي .. والاحتجاجات العمالية تحاصر النظام

طهران ــ وكالات

اعتبر الرئيس الإيراني الأسبق، والقيادي الإصلاحي البارز محمد خاتمي ، أن النظام السياسي الحالي في بلاده بحاجة إلى التغيير نحو نظام جديد؛ من أجل إعطاء فرصة للإصلاح، مؤكدا أن هذا النظام أدى إلى حالة من “اليأس” لدى الشباب.

وأشار خاتمي المحظور إعلاميا في إيران، خلال لقائه مع عدد من الناشطات الإيرانيات إلى الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في البلاد مطلع العام الجاري، مؤكدا سيطرة حالة من اليأس على الشباب بسبب بعض المسؤولين.
وطالب خاتمي، بحسب راديو فردا، الشباب بعدم الاستسلام لحالة اليأس التي تستهدف تثبيط عزيمتهم نحو الإصلاح، مدافعا في الوقت نفسه عن تياره الإصلاحى ضد ما وصفها بـ “الاتهامات” الموجهة له عن محاولة الإطاحة بنظام الملالي، معتبرا أن الحركة الإصلاحية تستهدف التصدي للتخريب والفساد، وفق قوله. ويعد الحديث عن تغيير نظام الحكم من المحرمات داخل إيران، بحسب أدبيات الملالي، نظرا لسيطرة المرشد من خلال ما يعرف بـ “ولاية الفقيه”، على مقاليد السلطة في البلاد حيث تؤول إليه أغلب الصلاحيات السياسية والاقتصادية دون أدنى محاسبة أو مراقبة.

وانتقد خاتمي سوء أوضاع النساء في إيران، لا سيما في ظل منعهن من تولى مناصب وزارية، وحرمانهن من الدخول إلى الملاعب الرياضية، مؤكدا أن المرأة الإيرانية تحظى بنسبة قليلة جدا من المكتسبات، داعيا لمضاعفة الجهود نحو تمكينها في المجتمع.

دعوة خاتمي الممنوع من الظهور إعلاميا لاتهامه بالضلوع في احتجاجات مناهضة للنظام في 2009، إلى تغيير نظام الملالي ، سبقتها أخرى رفعها محتجون خلال الاحتجاجات الشعبية الأخيرة، مطلع يناير ، وصلت إلى حد الهتاف بشعارات “الموت لخامنئي.. الموت للديكتاتور”.

وفي دعوة غير مسبوقة، تحدت 15 شخصية إيرانية بارزة النظام الإيراني، في فبراير الماضي، وطالبت بإجراء استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة، حول الانتقال من نظام “ولاية الفقيه” إلى نظام مدني، معتبرين أن الأمل في التقدم بات مفقودا في ظل استبداد الملالي.

وأطلقت الشخصيات السياسية والثقافية البارزة دعوتها غير المسبوقة في بيان وجد رواجا ملفتا.

ومن بين الشخصيات الموقعة على البيان المخرج الإيراني الشهير جعفر بناهي، والمحامية الإيرانية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام شيرين عبادي، والناشطة الحقوقية البارزة نرجس محمدي. ومن بين الشخصيات الموقعة على البيان 8 في إيران، ومعظمهم يواجهون قيودا عديدة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك السجن.

وكانت نحو 100 مدينة إيرانية شهدت سلسلة احتجاجات شعبية واسعة استمرت قرابة أسبوعين بدأت في مطلع يناير ، ضد الحكومة والنظام بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، لكنها سرعان ما تحولت إلى رفع شعارات سياسية تطالب بـ “رحيل النظام”.
وقمعت قوات الأمن الإيرانية هذه الاحتجاجات السلمية وسط تنديد دولي بنظام طهران، فيما أعلنت السلطات الإيرانية اعتقال نحو 7 آلاف محتج؛ فضلا عن مقتل 35 شخصا خلال مواجهات بين المحتجين ومليشيات نظام الملالي وعلى رأسها الحرس الثوري والباسيج.

هذا فيما تجددت الاحتجاجات العمالية في مختلف المدن الايرانية، بينما ترك عمال الصلب والمستشفيات مواقع عملهم في الأحواز جنوبي غرب البلاد، وتظاهر موظفو السكك الحديدية بالقرب من تبريز، بالتزامن مع أزمة مشتعلة بين نقابة سائقي الحافلات في طهران مع الشركات الخاصة التي تسيطر على العديد من الطرق.

هذه بعض ملامح المشهد الاحتجاجي المتصاعد في إيران، مع تفجر مئات من الاحتجاجات العمالية، في مؤشر على زيادة الاحتقان الناجم عن السياسة الاقتصادية للبلاد،وهو ما يذكر بإضراب عمال النفط عام 1979 الذي أدى إلى نجاح الثورة في الإطاحة بنظام الشاه، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية.
وتحولت الاحتجاجات العمالية ضد أرباب العمل إلى غضب شعبي ضد النظام الإيراني، مما يزيد الضغوط على قادة النظام الذين وعدوا بتحسين الوضع الاقتصادي بعدما علق الاتفاق النووي العقوبات الاقتصادية، لكنهم فشلوا في ذلك.
ومن المرجح أن تتعمق هذه الدوامة من الاحتجاجات، إذا قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، وأعاد فرض العقوبات على الاقتصاد الإيراني المتداعي.

وارتفعت أسعار البيض واللحوم والخبز أكثر من 10 في المئة خلال العام، مما يضاعف ويلات المستهلكين، بينما تبلغ نسبة البطالة حوالي 12 في المئة.
وهوى الريال الإيراني بحدة أمام الدولار، مما رفع أسعار السلع المستوردة، ودفع البنك المركزي للتدخل.
ويقول معارضو الاتفاق النووي: إن مئات الملايين من الدولارات التي حصلت عليها طهران جراء الاتفاق النووي ذهبت إلى الميليشيات الإيرانية والعصابات المتورطة معها في سوريا والعراق واليمن، بدلا من تحسين الاقتصاد الوطني.
وتضاف الاحتجاجات العمالية المشتعلة إلى سلسلة من الاحتجاجات الشعبية النابعة من السخط على النظام الحاكم الذي أدار ظهره للإصلاحات الاقتصادية، في وقت يمارس قمعا على الحريات الشخصية والسياسية.
وكان على الحكومة، بقيادة حسن روحاني، وتحت مظلة المرشد علي خامنئي مواجهة العديد من الاحتجاجات في صناعة السكر، فحظرت الواردات في محاولة غير ناجحة لكبح تدهور هذا القطاع، لكنها في الوقت ذاته أرجعت الاضطرابات العمالية إلى من وصفتهم بـ”أعداء إيران”، في إشارة معتادة إلى الولايات المتحدة.

وأثبتت مشكلات العمل في الماضي خطورة على الوضع الاقتصادي، فقد أدت سلسلة من الإضرابات في مجال النفط قبل الثورة الإيرانية عام 1979، إلى تباطؤ إنتاج الطاقة إلى حد كبير.
ونجح العمال حينها في تجريد نظام الشاه من أهم مورد اقتصادي، وساعد ذلك بفعالية على الإطاحة به.
ولا يبدو أن نظام الملالي الذي حظر النقابات العمالية المستقلة، قد استوعب الدرس، فبدلا من التعامل مع سبب الاحتجاجات الأخيرة، استخدم القمع الأمني.

ففي مارس الماضي، اقتحمت قوات الأمن منازل أكثر من عشرة من عمال الصلب المضربين، بحسب راديو فارادا، إضافة إلى اعتقال قيادات عمالية في عدد من الصناعات، وعلى رأسها صناعة السكر.

ولم يتحسن الوضع المالي للإيرانيين ذوي الياقات الزرقاء كثيراً في العقود الأربعة التي تلت الثورة.

وقال الناشط العمالي جعفر عظيم زاده في شريط فيديو نشر على تطبيق تيلغرام للتراسل: “أين يوجد في العالم عامل يقل أجره أربع مرات عن خط الفقر؟” “هذه جريمة. هذه عبودية”.
وقال رضا رخشان، وهو ناشط نقابي ورئيس قسم في مصنع هافت تيبه لقصب السكر: “إننا نقترض المال في الأوقات التي لا يوجد فيها مرتبات.. يعاني زملائي من مرض السكري ومشكلات في القلب ولا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج”.
وضربت الاحتجاجات والإضرابات الشركات التي توقفت عن دفع الأجور والمعاشات التقاعدية، في ظل الضغوط المالية.

ويرتبط العديد من أصحاب الشركات بالمؤسسة السياسية والدينية، بما في ذلك الحرس الثوري، وهو القوة العسكرية التي تحصل على نصيب الأسد من الاقتصاد الوطني.
وعانى مصنع هافت تيبه، الذي تمت خصخصته في عام 2015، من خسائر مستمرة، ثر تخفيض رسوم استيراد السكر إلى حوالي 20 في المئة من 140 في المئة ، عام 2005.

وقال الملاك الجدد: إنهم يعملون على تحقيق الاستقرار في الأعمال التجارية بعد أن واجهوا خسائر متراكمة بلغت 100 مليون دولار.
ومع حظر النشاط النقابي المستقل، يكافح العمال للاتفاق على المطالب والتكتيكات اللازمة لتحقيقها، لكن القمع الأمني يزيد من حدة المشكلة.

وعادة ما تؤدي اعتقالات العمال إلى المزيد من الاحتجاجات والإضرابات، مع مطالب إضافية بالإفراج عن العمال المسجونين.
وقال رخشان: “في بلدان أخرى ، دفع العمال ثمناً باهظاً مقابل حقوقهم – لم يكن الأمر سهلا”، وأضاف “سنستمر في القتال أيضا، باستخدام الإضرابات والاحتجاجات والالتماسات والشبكات الاجتماعية والإنترنت”.