الأرشيف البوح

حينما هاتفتني أمي تُعزي في أمي ..!!

الــ أُم….
ربما لاأجد شيئاً يصلح لــ الكتابة في اللحظة التي تتسع فيها روح الكأبة لكن لأن الله وعدّ الصابرين خيراً ســ أنتزع الحزن رغماً عن كل همّ ووجع وطمعاً بــ النعيم الذي أعدّه الله لــ الحامدين الشاكرين في كل الأحوال ؛
هو فضل الله أن خلق لنا ( أمهات ) وهي النعمة التي ربما تتسع لكل النِعم أن يجعل في الكون ( أم ) فــ الأم هي الخير الذي لاينقطع والماء العذب الذي لا ينضب أبداً ؛ ومن محبّة الله لي ورحمته بيّ ( إن شاء الله ) أن جعل ليّ بدل الــ أم ( أُمّين ) …نعم تلك هي الحقيقة فقد حملتني أُمي الــ أولى في بطنها ( تسعة شهور ) ثم لظرفٍ ما ولحكمة إلاهية جعل الله ليّ أُمّاً أخرى حملتني على ظهرها منذ الشهور الأولى في حياتي وصولاً لــ العقد الثالث من عُمريّ.. والأخيرة هذه أعني الأم التي عشت عندها كل حياتي كان لها الفضل كل الفضل في تربيتي ورعايتي وكسوتي وإطعامي ( يتيماً ) وبفضل الله ثم بفضلها اليوم أحصد كل درجات التفوق في كل حياتي العملية والتعليمة والأسرية والمادية ولله الحمد ؛
من الــ إلتقاطات التي لن أنساها في حياتي…
عندما وقفت على قبرها في لحظات الدفن الأخيرة وكنت أسأل الله لها الثبات كنت لا أعلم أيّ ( الخيرات ) التي قدمتها ليّ هي الأنسب لكي أدعوا الله بها ناسباً فضلها وراجياً من الله أن يثبتها في تلك اللحظات بـــ القول الثابت ..
في لحظة تذكرت حينما كانت تطعمني صغيراً وتعطيني ( وهي محتاجة ) ثم تذكرت خوفها عليّ ثم طغى على ذاكرتي في تلك اللحظات شيئاً أعظم تذكرتها رحمها الله وهي تقف على باب منزلنا ( الشعبي البسيط) في كل يوم يكون عندي إمتحان مدرسي تقف على الباب منذ أن أغادر المنزل إلى أن أعود ثم تسألني وهي أُميّة لا تقرأ ولا تكتب تسألني ببساطتها رحمها الله (بشرني عساك حلّيت) ثم لا تتركني حتى تطبع في كفيها المُلطّخة برائحة الحناء المتلاصقتين دعوات ترسلها لربّ كل شيء بــ أني يوفقني.
ثم تذكرت موقفاً أخراً لها رحمها الله ..
عندما كنت في مدرسة تبعد عن منزلنا الشيء الكثير وكنت حينها في الصف الثاني بالغاً من العمر سبع سنوات ونصف ؛ أذكر أن الأمطار كانت تهطل بغزارة وأذكر جيداً أن العمّ مقبل رحمة الله وهو فرّاش المدرسة حيئنذٍ أذكر أنه كان يحرص علينا كــ أطفال ويحرص أن لا يغادر أحدٌ منّا إلا مع ولي أمره … وتوافد أولياء الأمور واحداً تلوّ الأخر …وبقيت في الفصل مع عدد قليل من الأطفال ثم ماهي إلا لحظات ويناديني العم مقبل قائلاً ( أمّك عند الباب ) وما أن خرجت إلا ووجدتها مبتّله غارقة بماء المطر أذكر جيداً أنها قطعت بيّ الطريق الطويل جداً من المدرسة للمنزل وهي تحميني بعباءتها من المطر …أذكر أن العمّ مقبل رحمة الله قال لها حينها( جزاك الله خير يــ أم محمد ) …لم أعرف حينها ما معنى دعوة العمّ مقبل لكني حتماً اليوم عرفتها تماماً …
ثم وعودةً لـ لحظة وقفتي على قبرها رحمها الله ..
تذكرت قصة هي الأخرى أعدّها بطولة من بطولاتها ..رحمها الله …أذكر أن لصوصاً ذات مرّة حاولوا التمكن من منزلنا الشعبي البسيط الذي كنا نسكنه فــ البيت لا يسكنه ( إلاّ أنثى طاعنة في السن ) وطفل لا يفقه شيئاً في حياته …المهم أذكر أن منزلنا كان غير ذي سقف ( مكشوف ) فقط كانت غرفة النوم والمطبخ والمجلس غرف ذوات أسقف أمّا بقية غُرف المنزل فـ كانت مكشوفة وقد ساعد ذلك اللصوص لــ يصلوا لمنزلنا …
المهم أتذكر أنها رحمها الله قامت بحيلة حيث ذهبت لــ السوق عصراً وإشترت مجموعة من الأحذية المستخدمة ( أكرمكم الله) وحرصت على أن تكون تلك الأحذية لــ رجال كبار في العُمر …أذكر أني سألتها لماذا تشتريها يــ أمي …ضحكت وقالت سوف تعلم فيما بعد …وما أن جاء الليل وجاء اللصوص لمنزلنا مرّة أخرى حتى صرخت والدتي بـــ أعلى صوتها ونحن في غرفة النوم مغلق علينا الباب صرخت بصوت عالي قائلةً يـــ ( سالم ..يا ..عبدالله …يا محمد …قوموا الحرامي في الصالة ) ..طبعاً هنا إرتبك اللصوص الذين سمعوا صوت أمي العالي وشاهدوا ( الأحذية الكثيرة عند باب الغرفة ) فــ هربوا معتقدين أن الرجال سوف يلحقون بهم وفي الحقيقة لم يكن في الغرفة إلا أنا طفل لم أتجاوز الثامنة وهي رحمها الله أنثى طاعنة في السن …عندها علمت لماذا إبتاعت تلك الأحذية….لقد فعلت ذلك لــ تحميني قبل أن تحمي نفسها .ليس ذلك وحسب لقد فرحت بيّ في كل مناسبات فرحي..فرحت بيّ في كل سنة أنجح فيها ..ثم في وظيفتي ….ثم في نقلي لــ مدينتي …ثم في حياتي الأسرية ….ثم فرحت في زواجي ثم في قدوم بناتي حفظهن الله …ثم ودّعتني وهي توصيني بـــ أن لا أحزن عليها …يــ الله إنها وربّ كل شيء أُمّ عظيمة بمعنى الكلمة فعلت كل مافعلته معيّ ثم كانت توصيني حينما تشاهد دمعةً في عيني توصيني بـ أن لا أحزن ….تخاف على مشاعري حتى وهي تتألم …
أشدّ الصور ألماً ….
حينما هاتفتني ( أمي التي أنجبتني حفظها الله ) وقالت عظمّ الله أجرك ياولدي في ( أمك ) نعم والله إنها أُمي فقد ربتني من الشهور الأولى مربية مُطعمة ثلاثون عاماً تباعاً ولم تتركني في يومٍ من الــ أيام ولم تجعلني أشعر بــ لحظة من اللحظات أني جئت لــ الدنيا دون أن يستقبلني أبّ..! من شدّة ما أحببتها ( دعوت الله في كل حين أن تكون ذريتي بناتاً ) وبفضل الله تقبل الله دعوتي وجاء ذريتي كذلك أسأل الله الحي القيوم أن يجزيها عني خير الجزاء وأن يوسع في هذه اللحظة قبرها ويزيده نوراً ويتجاوز عن خطاياها وأن يزفّها فرِحةً مسرورةً كما تُزّف العروس لــ جنّة الفردوس الــ أعلى من غير حسابٍ ولا عذاب ؛ أسأل الله الحي القيوم أن يجعل لساني رطباً بذكره ومكثراً الدعاء لها وأن يرزقني برها والإحسان لها كما أحسنت ليّ وأكثر ……رحمك الله يـــ أم محمد وغفر لكِ وجعلكِ من المسرورين في قبورهم وأسقاكِ من حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وجعلكِ مِمّن قال عنهم رسولنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه أنا وكافل اليتم كـــ هاتين ….في الجنة أو كما قال علية الصلاة والسلام …
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *