ملامح صبح

حواري معي .. نص فريد يكاد يشبه كاتبه لحد التطابق !

ثمة وعي مضمر أو وجود سابق لكل نص يلازم الشاعر، ويكمن في شخصيته ؛ بحيث يمكنك أن ترى فيه حقيقته الداخلية المجردة وتتعاطى مع نصوصه، دونما أي تأطير أو حدود، فالنص لا ينفك عن كاتبه و العكس، ولهذا فكل نص يظل ناقصاً ، وإن بدا غير ذلك، مالم تتعرف وتتماس مع شخصية وروح الشاعر , ولهذا تأتي الكتابة عن نصوص من نعرفهم من الشعراء بعيدة عن التخمين ، وبرؤية واضحة ترتفع بالعمل الى المستوى النسبي المأمول من الرضى والإنصاف.

أو ذلك ما أعتقده على الأقل .ونص (حواري معي) لـ على المفضي , نص فريد يكاد يشبه كاتبه ولحد التطابق؛ إذ يركض وبسرعة فائقة ومتزنة دون أن يتعثر أو يلتفت ، ويظل ينمو ويكبر ويتكاثر وعلى مرأى منك، لكنك تحس به وتشعر فيه دون أن يأخذ عليك بصرك ، وهذا مكمن جماله، فقد تجاوز القشرة وغاص عميقاً من خلال التخلص من المؤثرات الخارجية وتركيز الأحاسيس في الداخل المنصهر القابل للتشكل والتنامى والبناء دونما إسقاطات ملتبسة .

يبدأ النص وينتهي بومضات خاطفة ذات كفاءة عالية لها طابعها الخاص القادر على خلق الأجواء الجمالية التحفيزية من مشكاة هذه الكلمة الثيمة (اشتقت لي) لتدخل بعد ذلك في نوع من حلم اليقظة، أو الحياة الحالمة , من خلال الموت في النص , موتاً خلاقاً تذوب فيه حدود الأزمنة الثلاثة , فلا يبقى سوى زمن واحد، هو زمن النص ، بما يعكس من ديناميكية الحياة. حياة الإبداع ، وبمجموع تجلياتها ويرتفع بها كذلك لمستوى الإلهام ، وبذا سهل على الشاعر أن يجرد من ذاته أنموذجا خاصاً يتحرك وفق رؤية تنتهي به لتمثيل موضوعي يتمرد على الوعي الناجز، ويقلب طرفيه؛ بحيث يصبح الداخل خارجاً والخارج داخلاً ، وبرؤية غائرة لاتكتفي بالتقاط أول خيط بل تجاهد في البحث عن الخيط بعيد المدى أو الكلمة الدقيقة المعبرة القابلة للتحول والثبات في آن واحد؛ حيث تستطيع أن تخلق شعوراً أو تصف حالة، ومع ذلك تظل محتفظة بتوترها الدائم وارتباطها الوثيق بسياقها اللغوي وحمولاتها المعرفية .كلمة تدهشك وتهزك في غرائبيتها وفجائيتها , وبعقلانيتها وهدوئها .. إن أردت ذلك..

(حواري معي)
شعر: علي المفضي

اشتقت لي من سنين طوال ادوّرني
ذبحني الشوق طوّل عنّي غيابي
بعيد واجد ولا أدري وش مصبرني
طوّلت ما وقّفت رجلي على بابي

يشنقني الحزن لا قمت اتصورني
ويمر طيف أمس بين العين واهدابي
أول الى ضاق صدري قمت أحاورني
واليوم أحاور غريبٍ يسكن ثيابي

بعضي من الوجد يبكي لا تذكرني
وينهار صبر السنين وقوّة أعصابي
أحيان أحمّل شقاي الوقت واعذرني
وأحيان أقول إن هم الوقت باسبابي

وأحيان بعضي يصد من أجل يقهرني
ويصد في عين خفّاقي عن احبابي
لفصول عمر التعب طوّل يحيّرني
وفصل الهنا ما يجي سطرين بكتابي

يا بعضي أفزع معي لحظة وشاطرني
لا تلهي أرجوك وتخلّيني أشقى بي
عطني حنانٍ عرفته فيك و امطرني
بالله لو من بعض ما تعطي اصحابي

كيف أشرب الهم والأيام تكسرني
قدّام عينك تقل ما انت أقرب أقرابي
وأنا أحسب أنّك من العثرات تجبرني
واثرك تحرّى خطاي وفوز طلاّبي

كنّي تخاطيف حلم احترت اعبّرني
أضيع في داخلي لاجيت ابابدا بي
ذنوب عمر وعسى منها يطهّرني
سجود قلبي وتسبيحي بمحرابي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *