حلب -الأناضول
“راجعين ياهوى”.. “إلى من شاركتني الحصار.. بحبك”.. “تحت كل بناء مدمر عائلات دفنت مع أحلامها.. دفنها بشار وأعوانه.. “عائدون بإذن الله”..
بهذه العبارات ودع أهالي حلب الشرقية الذين بدأوا رحلة التهجير القسري من منازلهم على يد النظام السوري والمنظمات الإرهابية الأجنبية الموالية له الخميس الماضي، آملين بالعودة لها في أقرب الآجال.
شاب يحمل على ظهره سلاحه، وإلى جانبه زوجته التي تحمل بخاخ طلاء بيدها، يقفان يتأملان عبارة “راجعين ياهوى” التي خطتها أيديهما على أحد الجدران كوداع للمدينة.
شاب آخر كتب “إلى من شاركتني الحصار.. بحبك”، دون أن يوضح فيما إذا كان المقصود مدينته حلب التي حاصرتها قوات النظام والمنظمات الإرهابية الأجنبية على مدار الأشهر الخمس الماضية، أم محبوبة له كانت محاصرة أيضاً.
عبارة أخرى مأخوذة من أغنية شهيرة تنقلها صورة التقطت من قبل عدسات الناشطين على جدران حلب مفادها “أحبيني بعيداً عن بلاد القهر والكبت بعيداً عن مدينتنا التي شبعت من الموت”.
وبينما كان جاثا على ركبتيه، ودّع شخص مدينته على طريقته الخاصة حيث كتب على جدار “مع السلامة يا يوم (والدته باللهجة الحلبية)”.
طلائع المهجرين التي بدأت الوصول إلى مناطق ريف حلب الغربي، ومحافظة إدلب المجاورة (شمال غرب) لم يخفوا دموعهم وهم يتحدثون أمام عدسات من استقبلهم من الصحفيين والناشطين.
الجميع يبكي وفي حالة ذهول، وبعد أن يحمد الله على سلامة خروجه من الحصار الخانق، والقصف الذي لم ينقطع ليلا ونهارا وبجميع أنواع الأسلحة، إلا أن ألسنتهم تلهج باسم مدينتهم حلب، وكيف أنهم صمدوا طوال السنوات الخمس الماضية على ظروف الحرب، ومع ذلك لم يخرجوا منها لولا أنهم أُجبروا على ذلك.
“أضعت أخي ولا أعرف عنه شيئاً”.. امرأة أربعينية تروي وهي تبكي بحرقة كيف أضاعت شقيقها خلال رحلة التهجير، وهي لا تعرف عنه شيئا، أو أين ذهب وما مصيره.
خمسينية تحمل ربطة خبز وهي تصرخ بأعلى صوتها أمام كاميرا أحد الناشطين: “شفنا (رأينا) الخبر أخيرا.. منذ سنة لم نره.. حسبنا الله ونعم الوكيل”.
رجال يبكون بحرقة، وكل واحد منه يقول: “ليس لأجل هذا صمدنا كل هذه السنوات.. حلب راحت.. راحت مدينتنا.. لكن بإذن الله راجعين”.
أيادٍ تمتد من نوافذ الحافلات التي كانت تقلهم ترفع راية النصر، ورجال يخرجون رؤسهم من تلك النوافذ هاتفين مقسمين “راجعين”.
صور ومشاهد كثيرة انتشرت خلال الساعات الماضية عن مأساة الخارجين من حصار حلب، وكل منها أبلغ من أن تترجمها أو تنقلها الكلمات.
وكانت المعارضة السورية وروسيا توصلتا الثلاثاء لاتفاق لوقف إطلاق النار في حلب، يفضي إلى إجلاء جميع المحاصرين في المدينة.