جدة – بخيت طالع :
عندما كنت اقطع طريق الملك عبدالله في جدة تجاه الشرق والوقت يزحف باتجاه موعد صلاة العصر من يوم أول من امس وكنت منطلقاً من ميدان الملك عبدالعزيز بموقع المطار القديم كان الطريق يبدو وكأنه علبة سردين حتى نقطة التقاطع المقابلة لشركة بالبيد، ثم تفاقم الأمر باتجاه الشرق أمام نقطة مدخل حي السليمانية، فيما ظهر الجسر الذي يعبر من فوق طريق الحرمين وهو يئن من كتل السيارات المتراصة فوقه، واللافت أنني لم أرَ عربة مرور ولا شرطياً واحداً، كان (تلبكاً) مرورياً بأوضح ما تعنيه الكلمة.
مشكلة أزلية
والواقع أن هذا المكان الذي أشرت اليه آنفاً، ليس هو المكان \"المحشيّ\" بالسيارات في جدة، بل هو واحد من بين اكثر من 20 منطقة ترزح تحت نير الازدحام المروري المهول في جدة ليس هذه الايام ولكن منذ سنوات طويلة قد تمتد الى عشر مضت دون أن يجد المسؤولون فيها – على رغم اجتماعاتهم ومداولاتهم – لم يجدوا أية فرجة للخروج بهذا المأزق من مكانه المحبوس فيه، وظل الازدحام المروري في هذه المدينة الساحلية الضخمة والمتمددة في ثلاث جهات ظل كما لو كان واحداً من أهم العلامات الفارقة لها.
القطارات والمترو
قبل يوم واحد من كتابة هذا التقرير كنت اتحدث مع المهندس (خالد الشفاغة) وكان عائداً للتو من جمهورية الصين الشعبية وتحدث معي بما لم يكن عقلي يصدقه للوهلة الاولى، فالبرغم من الكثافة البشرية المهولة في بلد مثل الصين (1.3) مليار وبمدنها التي يزيد عدد السكان في بعضها عن 20 مليوناً، الا أن الانسيابية المرورية هناك – كما قال م. خالد الشفاغة – كانت ملحوظة نظراً لاعتماد القوم هناك على ترجمة العلم الحديث في خدمة الحياة، بشكل يثير الاعجاب والدهشة، فهناك استثمر الصينيون النقل العام، والمترو، والجسور، والقطارات، وكل الأسباب التي من شأنها أن تزيح عنهم التكدس المروري.
الجسور والحل
ويبدو أن مشكلة المرور في جدة ستظل قائمة حتى بعد انتهاء مرحلة بناء الجسور الحالية، التي انطلقت معركتها قبل نحو خمس سنوات ولازالت قائمة لانها اي الجسور محور واحد فقط من محاور كثيرة مهمة مع بعضها للقضاء على مشكلة الاكتظاظ المروري، وبهذا فإننا نحن هنا في السعودية قد أخذنا طرفاً واحداً صغيراً من العلاج وتركنا بقية اطراف الحل – حسب التساهيل – الامر الذي يجعل المشكلة برمتها مؤجلة وستكون هناك صدمة دون شك بعد انتهاء مرحلة بناء الجسور الحالية، عندما يجد سكان هذه المدينة انفسهم امام (الزحمة) نفسها الا قليلا منها. ويرى عدد من المختصين انه كان يتعين طرح مشكلة الازدحام المروري الهائل في جدة على الطاولة بعد دراسة مستفيضة لكافة مسبباتها، ثم يتم اقرار الحل الناجح لها بعدة محاور علاجية وبعد ذلك يتم العمل الفوري على بدء مرحلة العلاج كـ \"كتلة واحدة\" لكل محور الحل من (نقل عام) و(قطارات خفيفة) ونحو ذلك حتى ان هناك من يرى ان مسألة التوسع في استيراد السيارات يجب ان يعاد النظر فيها.
الآثار السلبية
وبدون شك فإن الازدحام المروري يؤثر سلباً على جدة وغيرها من المدن الكبيرة في السعودية، فهذا العامل السلبي يمتص جزءاً من بهجة الحياة في المدينة، ذلك لأن المدن المزدحمة مما يزيد من بواعث الكآبة والضيق والعصبية والشد النفسي بل وتكون من حيثيات عدد من الأمراض الصحية كالضغط والسكري ونحوها، ناهيك عن أن ازدحام واكتظاظ المدن بالعربات بشكل غير طبيعي يفوت على السكان فرص حياة كثيرة ويعطل اعمالهم، ويضيع أوقاتهم، وإلى ما إلى ذلك من مؤثرات حياتية عملية سلبية، لو احصيانها مع بعضها البعض لوجدناها ركاماً كبيراً من اهدار الوقت والفرص، في وقت كان يمكن فيه تلافي الكثير من هذه المتاعب بالتخطيط العلمي الرشيد، والعمل الحصيف المتقن، البعيد عن اللامسؤولية، والبعيد عن العشوائية، والانتقائية غير الموفقة لبعض الحلول دون بعضها الآخر الكثير.
النقل العام
وعبر عدد من المواطنين الذين التقيتهم في أحد مواقف الباصات في باب مكة عن دهشتهم من غياب النقل العام الحديث بمعناه المعاصر الحضاري في مدينة كبيرة مثل جدة، تمثل قلب المملكة الاقتصادي قائلين، نحن الآن نتعامل مع باصات خط البلدة بصورته القديمة منذ أكثر من 40 عاماً، وضمن خطوط سير محدودة في بعض محاور المدينة، ونحن نستغرب اهمال وزارة النقل لهذا الجانب كل هذه السنوات، ونحمل الوزارة مسؤولية سلبيات هذا التأخير، الذي كان له أثر واضح في تكدس السير في جدة وغيرها من المدن الكبيرة، بينما نحن نرى مدناً عربية وآسيوية أخرى أفضل حالاً، ولا نقول الأوروبية بالطبع لأن الفارق واسع.. وطالب اولئك وزارة النقل باستدراك الخلل الذي وقعت فيه والمباشرة الفورية في إعداد مشروع نقل عام يليق بالوجه الحضاري الطموح للمملكة، وليكن ذلك في غضون سنتين على الاكثر، مشددين على أن أي تأخير لهذا المشروع (مشروع النقل العام – مشروع قطارات الركاب داخل جدة) تعد من البديهيات التي يجب العمل عليها فوراً، وملمحين إلى تجربة إمارة دبي في ادخال مشروع المترو إلى مدينة دبي في وقت قياسي، فيما جدة والمدن الكبيرة في المملكة، لا زالت وزارة النقل عندنا (تؤخر رجلاً وتقدم أخرى) بحسب تعبيرهم، بينما الوقت يمضي والمشكلة تزداد تراكماً، مما يجعل تكلفة الحلول تزيد مؤنة سنة بعد سنة.
الحل الشامل
واعتبر الذين تحدثوا معي أن حل مشكلة الازدحام المروري لا بد وأن تكون وفق نظرية الحل الشامل وليس وفق حلول فردية أو (بالتقسيط) لأن ذلك مما يزيد من تكلفة الحلول، ومن آثارها السلبية على المجتمع، ونحن نلاحظ كم استنفدت مسألة إقامة الجسور الحالية في جدة من أوقات السكان واعصابهم وكانت على حساب راحتهم وفرص عملهم، ومؤكدين على أن مرور جدة يجب أن يزيد من فاعليته، والا يستسلم، صحيح أن المشكلة أكبر من طاقة جهاز المرور بأعدادهم القليلة جداً حالياً، ولكن ذلك لا يمنع من أن تكون نظرية (الحل وفق الامكانيات) نظرية مفعلة بشكل اكبر مما نراه الآن من أداء متوسط من مرور جدة.