ثمة هطول هنا يطال كل شيء ايذانا للتحديق في حروف تأخذنا إلى حيث الفكر حيث اتسمت الكتابة هنا بالعمق في دلالاتها وايحاءاتها ونبشها للأفكار التي تجذب القاريء إلى ذاكرة تتدلى من عنق الضوء؛هنا في شذرات تشاركنا الكاتبة أماني أحمد بلغة رقيقة شفيفة الحس من خلال نص ( حسرة ) بكلمات ترفل على إيقاعات لغة شاعرية رقراقة …متابعة ماتعة مع المشهد أدناه.
******
عن البِداية : كُنَّا أبيضَين. كان للأيَّام آنذاك شكلُ طيْر، و سَماء. و لا نهايَة.
الخُلود فكرة الصِّغار، يخطُر على بالي الآن كم كُنّا صِغاراً حالمِيَن ، و كان بمقدورِنا أن نظنّ.. أن نُحسن الظنّ.. أن نتمنَّى و لا نقفْ،
أن نبكي و نضحكَ و نتحدَّث و يُتحدَّث بنا و تُلقي لنا الأيَّام بالاً ولا نُلقي لها.
حين نأتي على المرَّات الأولى، بعفويَّتها و سُهولة الكلماتِ و انسيابِها. حين تنزلِقُ قلوبُنا و تستقرّ، و تنزَلقُ أخرى و تستقرّ، نُصابُ بشهيَّة دائمَة ، بحياةٍ مفتوحةٍ على مصراعيْها.
و حين تتغضّنُ فكرة الخلود بفعلٍ أو بآخر، نُصدم من قُدرة الأشياء على التغيير ، و من إيماننا بها على الضّعف.
آمنتُ بك ، بنا .. و حطَّ يقيني في المُنتصَف.. عبرتُ الجسرَ إليك، أخذَ مني كل العزم و الإرادة، أخذَ مني كل الهدف و التمنِّي أن أصِل إليك وَ قدْ فعلتُ.
ذكَّرني مرّة أخرى لماذا نُحجم عن أفعالنا!
قطعتُ كلَّ الطَّريق في دُنيايَ، أشعرُ أني عبرتُ الخطَّ منذ وقتٍ طوِيل،
و أنتظرُ أن يقفزَ أحدٌ ما لِيُحكِّمني على سعيي الحثيث و وُصولي السَّريع، حيث وصلتُ قبل الجميع.. أو أحدِس.
في حياة ما بعد الحيَاة، الحيَاة التي تكتفي بالمُشاهدة وعدم اللَّمس، الحياة التي تستعرض كلّ الصور و الأحداث و الوُجوه الأغاني و التَّواريخ، و المُذكِّرات.. و تُشيرُ إليها أعيروني انتباهاً.
في حياة ما بعد الحيَاة. تقفُ لي قدَم، و تهزّ قدمي الأُخرى هذا العالم، و حين يهتزّ، يتبادلُ العالمِين أماكنَهم دون أن يشعُروا، يقفُون في موقفٍ جديد، و يتساءلُون: أحقاً كانت لنا حياة؟ أحقاً عشناها؟
أعرفُ هذا، لأنَّ حياتي تبدَّلت بفعلِ هزَّة قدم أحدهم، أعرفُ هذا لأنني على وشك أن أهزّ قدمي و لا يتحرّك شيء.
بنتيجةٍ لا أعرف كيف توصَّلت إليها، أشعر بالكفايَة، أشعرُ بالتكدّس، بالكثرة، و أحاول أن أتخفَّف،
تمنَّيتُ دائماً أن أستطيع أن أُفرغَ بعض الذّاكرة من حينٍ إلى حين ، بعض الأيَّام لا أحتاجها، بعض الوجوه و بعض الأرقام ، و بعض من أي شيء قد يكون زائداً، و يُعيقني عن الاستمرار.
الاستمرار: نجاحُ كل شيء
و أنا لا أنجحْ، لأنَّ كل ما يرتبطُ بي مُتوقِّفٌ أو مُعلَّق.
يجب أن أستثنيكَ من الكِفاية، فحين آتي على ذِكرك أشعر أنّا ما اكتفيْنا أبداً ، أنّا كنّا في أوَّلِنا حتى في آخرِنا ، في اللحظة التي أزمعنا فيها الرَّحيل و تلقَّفتْ يدانَا تكتبُ النِّهاية ، حتى حينها، أشعر أنَّها البداية كان عليها أن تتأنَّق و تجرَّ أدمعنا لأوَانِها.
في قلبي هذه الحسرَة،
كما لو أنِّي طويتُ حياتي في جيبك، ونسيتُ استعادتَها.
بقلم أماني أحمد