د.عبدالرزاق أبو داود
ظلت مدينتنا الحالمة لآلاف السنين..قرية صغيرة..من الأعشاش..وبيوت الطين القليلة المتناثرة..تقع على تلة مقابلة للساحل ..يحدها بحر العيون جنوباً وبحيرة الأربعين شمالاً.
ومع توالي الفتوحات الإسلامية وانتشار ألإسلام..ووصوله الى افريقيا وشرق ووسط آسيا نمت عروس البحر الاحمر وتطورت مرافقها تاريخياً وتزايدت مكانتهاعلى مر السنين حتى اصبحت الميناء الرئيس لوصول الحجاج.
واجهت المدينة الصغيرة تهديدات مختلفة..أولها محاولات دول إسلامية متعددة.. السيطرة عليها..كخطوة للسيطرة على مكة المكرمة..
وواجهت من جانب آخر مطامع بعض الدول الأوروبية لتهديد قاعدة الاسلام في مكة المكرمة والمدينة المنورة..
خاصة الاساطيل البرتغالية..والصليبية..والهولندية..
كما واجهت خطرا ثالثا..محليا هذه المرة..تمثل في هجمات بعض القبائل المجاورة..التي كانت تعد جدة مغنماً سهلا يمكن الاستيلاء عليه..
وإزاء هذه التهديدات الخطيرة..ولمكانة جدة الاسلامية والتجارية واللوجستية..فقد قرر السلطان المملوكي قانصوه الغوري بناء سور يحيط بها..من جهاتها الاربعة..
وكلف عامله على جدة حسين الكردي ببنائه..في عام ٩١٥- ٩١٧هجرية .. لتحصين جدة امام هجمات أساطيل الأعداء..فبناه الكردي بالحجارة المنقبية المحلية..التي استخرجت من المحاجر والمناقب المحلية شمال وجنوب جدة..وشارك اهالي جدة في بناء سورها..بأمر حاكمها..
أحاط السور جدة من جهاتها الأربع حتى ساحل البحر..
وأحيط السور من الخارج بخندق..يتم ملؤه بالمياه من البحر عند الحاجة..زيادة في الحماية..كما سيج الخندق بأسلاك شائكة لمنع المرور عبره..
كان السور سميكا..بحوالي متر تقريبا..وبارتفاع يناهز ١٢ ذراعا تقريبا..وجعل له ثلاثة أبواب هي :
“باب مكة المكرمة”..
“وباب المدينة المنورة”..
“وباب البحر(باب البنط)”..
وأحيط السور من الداخل بنطاق دائري من الارض وذلك للحراسة ومرور الدوريات العسكرية راجلة او على الخيل..
ويحتوي السور على ستة أبراج للحماية العسكرية..
يصل محور الواحد منها الى ١٦ ذراعا تقريبا..
ولا زال احدها موجودا..
جنوب المستشفى الحكومي العام السابق
جنوب شرق حارة اليمن..
وتم تزويد الأبراج بالمدافع والأسلحة الكافية..
وقد شيدت القلعة التركية..المسماة بالقشلة..شمال شرق جدة غرب مقبرة أمنا حواء…للحماية الإضافية القوية..
وتشير بعد “المصادر” الى:
اكتشاف نفق تحت الأرض يصل جدة بقلعة القشلة..
“ولم يعلن عنه حتى الان”..فإن صح ذلك..فربما استخدم ذلك النفق للتواصل بين القشلة وجدة خلال الحروب والحصار..
وتقع الأبراج على أركان السور الاربعة
وعند البوابتين..
وفي فترات لاحقة..
تمت اضافة أبواب اخرى..
لتصبح ابواب السور..
١. “باب مكة المكرمة”..
جهة الشرق
٢. “باب المدينة المنورة”..
جهة الشمال..
٣.”باب شريف” جهة الجنوب..
٤.”باب الكرنتينة” جهة الغرب على البحر..
وهو اول ابواب الواجهة البحرية من الجنوب..
٥.”باب النافعة”..
على البحر..
٦.”باب الفرضة”..
للعمال..والحمالين..
٧.”باب الصبة”..
للحبوب..
ويلي باب الفرضة..
٨.”باب البنط”..
وهو الباب الرئيس للواجهة البحرية..
٩.”باب المغاربة”..
وكان يستخدم لدخول الحجاج المغاربة..
ويقع شمال باب البنط
على الواجهة البحرية..
١٠.”باب صريف”..
على الواجهة البحرية..
شمال باب المغاربة..
وهو خاص بأعمال الكنداسة تقريبا..
وآخرها..
١١.” باب جديد” في شمال السور..
بجوار باب المدينة المنورة..
وقد أنشئ باب جديد في عهد الدولة السعودية..
كانت هذه الأبواب تقفل بعد صلاة العشاء مباشرة..
وتفتح بعد صلاة الصبح مباشرة..
وعمل سور جدة كساتر دفاعي عسكري متين ..
وحمى جدة من العديد من الهجمات..
وقد تعهده الملوك والأمراء والحكام بالرعاية والصيانة..
سور جدة كان درعا مكينا..
وكان له دور اقتصادي وسكاني..
فقد حد من عمليات السرقة والتهريب..
وعمل على الحفاظ على عدد مناسب من السكان
يتلاءم والإمكانات الاقتصادية..
والفرص الوظيفية.. والأحوال المعيشة لجدة..
ولما ضاقت جدة بسكانها ..
وأخذت بالتطور..
في عهد الدولة السعودية..
امرت الدولة..
بإزالة سور جدة..
عام ١٣٦٨هجرية..
وعند هدم السور..
كانت قد انتشرت حوله بعض الضواحي والقرى..
فإلى جنوبه كانت ضواحي السبخة والهنداوية ونكتو والسبيل وقرى النزلة وغليل..
وإلى شرقه الصحيفة والعمارية والكندرة ..
والى شماله البغدادية والشرفية والرويس وبني مالك..
وهكذا انزاح سور منيع.. صمد لقرون..
وحمى جدة وسكانها..
من هجمات شرسة..
ووفر لها الامن..
وحفظ لها الاستقرار..
ولم تعد هناك حاجة للأسوار بعد تغير مفهوم الدولة الحديثة..
وظهور الحدود الدولية الحديثة..
كعوامل أساسية تحدد نطاق سيادة الدولة..
وتعمل على حمايتها بالطرق الحديثة..
نحمد الله على نعمة الأمن والأمان. حفظ الله بلادنا وولاة أمرنا.