جدة

جُدَّة في العهد السعودي الزاهر.. تعيش عصرها الذهبي

د.عدنان عبدالبديع اليافي

جُدَّة.. فرضة مكة المكرمة.. وميناء المملكة العربية السعودية الرئيس، وعاصمتها الاقتصادية بموقعها الفريد، ومحور هام من محاور التجارة العالمية، مدينة وثغر تاريخي لها من الأهمية بمكان عبر حقب التاريخ المختلفة، جذبت إليها الكثير، وأستهوت إليها عقول الادباء والمفكرين، وأصل لها المؤرخون تاريخاً عبر عهود مختلفة قديمة وحديثة، وقد تناولنا من خلال صفحات هذه الجريدة الغراء جزءاً يسيراً من هذا التاريخ العريق فتيسر لنا الأمر بأن نعرج سريعاً على عصورها المختلفة .
وكان من الملاحظ أن جُدَّة كانت دوماً في تلك الأزمنة وغيرها محصورة داخل سورها كما كانت دوماً مثل بحرها في مد وجزر تتمدد مرة وتنكمش مرات داخل ذلك السور الذي كان يحيط بها كما يحيط السوار بالمعصم . ولم تكن جُدَّة لتستطيع أن تتمرد على ذلك السور نظراً لاختلال الأمن في بعض الأزمنة ولأطماع الغير فيها مثل الهجوم البرتغالي على جُدَّة الذي كان للسور أكبر الأثر في صد هذا الهجوم وحماية المدينة، كما ذكر كل ذلك العديد من الرحالة الذين زاروا جُدَّة في فترات وأزمنة مختلفة وكتبوا عن رحلاتهم تلك، مثل ابن جبير والأدريسي وابن بطوطة وابن المجاور ودي فارتيما ونيبور وبيركهارات والبتنوني وإبراهيم رفعت باشا وغيرهم من الرحالة . وكانت أبواب السور تغلق مع غروب الشمس ولا تفتح إلا عند انبلاج الصبح .
وبعد أن شاء الله عز وجل وأمن جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – رحمه الله – الطرق ووحد البلاد وأنشأ هذه الكيان الكبير الذي نعيش فيه الآن أمنين مطمئنين .. دخلت جُدَّة في ظل الدولة السعودية عندما دخلها جلالة الملك عبدالعزيز –رحمه الله – في اليوم السادس من جماد الثاني 1344هـ/ 22 ديسمبر 1925م كما بين ذلك الدكتور محمد بن جمعان الغامدي في كتابه ” جُدَّة في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود” وقال: وبدخول الملك عبدالعزيز جُدَّة أخذت المدينة تخطوا خطوات واسعة – في جميع مجالات الحياة – نحو التقدم والرقي.
وأقول: وشهدت جُدَّة تحت راية الملك عبدالعزيز تغيراً كبيراً في جميع شؤونها ونقلة عظيمة في تنظيمها، واستتباب الأمن فيها، وسهل تنقل الحجاج منها إلى مكة المكرمة، وتحسنت الأحول الاجتماعية والاقتصادية والصحية، وتميزت بنضوج الفكر الثقافي والنظام الإداري والسياسي فيها، وأنشأ فيها اللجان المتخصصة بالتعليم، كما أنشئت العديد من المديريات والادارات مثل ادارة اوقاف جُدَّة وادارة البريد والهاتف واللاسلكي.
استغنت جُدَّة عن سورها لأول مرة بسبب استتباب الأمن فيها ومن حولها وتمددت في جميع الاتجاهات خاصة ناحية الشمال والشرق وبدأت تعيش عصرها الذهبي الذي بدأ في عهد الملك عبدالعزيز ثم استمر في عهود أبنائه البررة الكرام من بعده، سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله – رحمهم الله . واليوم تعيش جُدَّة – كشقيقاتها من مدن وقرى وهجر المملكة العربية السعودية – نهضة كبيرة غير مسبوقة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- ويتطلع شبابها إلى المشاركة في تحقيق رؤية 2030 بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وفقه الله وسدد خطاه .
ولم تعد جُدَّة اليوم ميناءاً بحرياً فقط بل أصبحت مدينة عالمية بامتياز تمتلك كل مقومات الحياة العصرية، تعقد فيها المؤتمرات الاقتصادية العالمية التي يشارك فيها كبار الاقتصاديين ورؤساء البنوك ووزراء المال والاقتصاد من دول مختلفة وغيرهم، وتنظم فيها المؤتمرات الطبية التي يفد اليها كبار الاطباء من مختلف بقاع العالم، وكذلك الندوات العالمية التي يشارك فيها كبار الاساتذة من الداخل والخارج. ويرجع الفضل في ذلك إلى قيام الدولة -حرسها الله – بإنشاء البنية التحتية اللازمة لمدينة عصرية، من طرق وأنفاق وجسور وموانئ بحرية وجوية دولية حديثة بمقاييس ومعايير عالمية، واقتراب الانتهاء من مشروع السكك الحديدية التي تسهل نقل الحجاج عبر قطار المشاعر المقدسة، ومستشفيات مجهزة بأحدث أجهزة الطب الحديثة، وفنادق على مستوى عالمي عالي تضاهي مثيلاتها من كبريات مدن العالم . بل وتتفوق على الكثير منهم وتم الإعلان مؤخراً عن عدة مشاريع سياحية عالمية . ويتمتع أبناء وبنات جُدَّة اليوم بالتعليم بأحدث الوسائل التعليمية في جامعات متخصصة في جميع المجلات ومدارس حكومية وخاصة على أعلى المستويات بعد أن أعطى ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية للمرأة حق التعليم والعمل وحق قيادة السيارة وغيرها من الحقوق التي لم تتحصل عليها قبل العهد السعودي الزاهر.
وتعيش جُدَّة مع شقيقاتها من مدن وقرى ومناطق المملكة المختلفة هذه الأيام أفراحاً عديدة. فقبل عدة أيام احتفلت الجموع باليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، حفظ الله بلادنا وولاة أمرنا من كل سوء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *