جدة

جُدَّة في العهد

د.عدنان عبدالبديع اليافي

منذ مدة ونحن نبحر في تاريخ مدينة جُدَّة العريق . فبدأنا من فترة ما قبل الإسلام إلى العهد النبوي الشريف ثم في فترة صدر الإسلام مروراً بالعهدين الأموي والعباسي ثم العهدين الفاطمي والأيوبي حتى أرسينا مراكبنا في فترة العهد المملوكي .
وها نحن اليوم نستكمل رحلتنا عبر العصور فنلقي الضوء على تاريخ جُدَّة خلال العهد العثماني الأول من خلال ما ذكره مؤرخها الكاتب محمد صادق دياب – رحمه الله- في كتابه ” جُدَّة .. التاريخ والحياة الاجتماعية ” .
العثماني الأول
يقول الدياب: “إنه على أثر انتصار السلطان العثماني سليم الأول على المماليك ودخوله مصر، كان المتوكل على الله آخر ذرية العباسيين الذي حضر أجداده لمصر بعد سقوط مدينة بغداد مقر خلافة بني العباس لا يزال يحتفظ بالخلافة في مصر اسماً فتنازل عن حقه في الخلافة الإسلامية إلى السلطان سليم الأول وسلمه الآثار النبوية الشريفة وهي البيرق والسيف والبردة، كما سلمه أيضاً مفاتيح الحرمين الشريفين .”
ويبين الدياب –رحمه الله-: “إن السلطان سليم استفاد من إطلاق سراح بعض القضاة والعلماء الحجازيين الذين قد سجنهم السلطان الغوري في القاهرة بسبب امتناعهم عن دفع بعض الأموال التي فرضها السلطان عليهم أثناء الحكم المملوكي ومنهم الخطيب محيي الدين العراقي وقاضي قضاة مكة المكرمة صلاح الدين محمد بن ظهيرة فأخذ السلطان سليم يستشيرهم في أمور الحجاز في الوقت الذي كان يجهز جيشاً للاستيلاء عليه .”
ويذكر الدياب أن ابن ظهيرة أشار على السلطان سليم بإرسال رسالة إلى بركات “شريف مكة” يطلب منه فيها إرسال ابنه ” محمد أبو نمي ” إلى مصر للتشاور، فكان له ما أراد حيث قدم ابن شريف مكة إلى القاهرة عام 923هـ فأحسن السلطان سليم استقباله وأقره في الشرافة هو ووالده في إطار الدولة العثمانية. وأوعز السلطان سليم بعد ذلك إلى شريف مكة بقتل الأمير حسين الكردي نائب جُدَّة من قبل المماليك وباني سورها فاعتقل وربط في رجله حجر كبير وأغرق في بحر جُدَّة .
منذ ذلك التاريخ دخلت جُدَّة عهداً جديداً هو عهد الدولة العثمانية (الأولى)، حيث أصبحت الدولة العثمانية تمارس السلطة على جُدَّة، وتقوم بتعيين نائب لها يلقب بلقب “سنجق جُدَّة” متحرراً من سلطة شريف مكة الذي خصوه بنصف إيرادات الميناء من الجمارك وخلافه، وقد نتج عن ذلك الكثير من المشاحنات والخلافات بين شريف مكة ونائب جُدَّة بلغت ذروتها في عهد نائب جُدَّة العثماني حسين الرومي حيث وصلت إلى درجة نشوب قتال بين القوات العثمانية بقيادة حسين الرومي وبين قوات الشريف بركات نتج عنه الكثير من القتلى كما ذكر الدياب .
ومن الأحداث المهمة التي جرت في تلك الفترة الهجوم البرتغالي على جُدَّة .
الهجوم البرتغالي على جُدَّة
ينقل الدياب عن الأستاذ أحمد السباعي صاحب كتاب “تاريخ مكة” أنه من أهم أحداث تلك الفترة كان هجوم البرتغاليين عام 948هـ /1541م ونزولهم في أحد المراسي بالقرب من جُدَّة، وكانوا في 85 مركباً مملوءة بالسلاح والرجال فجهز لهم أبو نمي شريف مكة جيشاً جراراً سار به إلى جُدَّة حيث قابلوا العدو المغير وصدوه بقوة السلاح عن مدينة جُدَّة ومينائها، وقد لعب سور جُدَّة وقلاعه دوراً كبيراً في تحقيق هذا الانتصار التاريخي على تلك القوة الغازية .
هذه نظرة سريعة ومختصرة على تاريخ جُدَّة خلال العهد العثماني الأول .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *