عرف السودان القمح منذ أكثر من 2000 عام عندما كان يزرع في شماله في مساحات محدودة لسد الطلب المحلي، قبل أن تتوسع زراعته في أماكن أخرى نسبة للطلب المتنامي له. ولقد أدت البحوث والدراسات التي أجريت في هذا المحصول المهم دوراً أساسياً في هذا التوسع الكبير، وأجيزت العديد من أصناف القمح التي تتباين في كثير من صفات الإنتاجية والنوعية.
وهنالك جهود كبيرة تبذل الآن لاستنباط أصناف جديدة ذات نوعية جيدة من الحبوب، وفي هذا الخصوص يقوم برنامج بحوث القمح بإجراء تهجينات مستهدفة واستجلاب واختبار أعداد كبيرة من السلالات بغرض انتخاب أصناف ذات جودة عالية وإجازتها لأن زراعة الصنف المناسب في التاريخ المناسب مع تطبيق كل الحزم التقنية سيؤدي إلى إنتاج نوعية جيدة من حبوب القمح.
والجدير بالذكر أن بعض الأصناف السودانية تمت إجازتها في كثير من البلدان كالصنف (إمام) الذي أجيز تحت مسميات مختلفة، ويزرع في كل من إثيوبيا، وإيران، وتركيا وغيرها.
والسودان من الدول القليلة في العالم التي حققت نجاحاً في زراعة القمح في البيئات الحارة جداً، وذلك نتيجة للجهود البحثية المركزة والمتواصلة في الربع الأخير من القرن الماضي التي تمت عن طريق شراكات فعالة مع مراكز بحوث عالمية في المكسيك وسورية، وبعون مقدم من دول مانحة (هولندا)، وبتفاعل تام من المنتجين في القطاع العام والخاص.هذا النجاح أدى إلى عقد مؤتمر عالمي للقمح للبيئات الحارة في مدينة ودمدني حاضرة ولاية الجزيرة عام 1992م.
وكان من نتاج هذه البحوث أصناف متميزة تتحمل درجات الحرارة العالية، ومعرفة فسيولوجيا المحصول في البيئات الحارة أدت إلى إنتاج تقانات عظمت من إنتاج المحصول تمثلت في وسائل التأسيس الجيد والمتوازن، ومعرفة الاحتياجات المائية التي تلبي احتياجات المحصول وتمكنه من خفض حرارته بمعدل 3-4 درجات من حرارة الغلاف الهوائي الجاف المحيط به.
وهذا التفهم المتكامل للمحصول أدى إلى تحقيق إنتاجية ممتازة في حقول بعض المزارعين في مناطق السودان المختلفة نذكر منها على سبيل المثال( 4.1 أطنان للهكتار في مشروع الجزيرة، و6.5 أطنان للهكتار في معتمدية أبوحمد في ولاية نهر النيل، و8.6 أطنان للهكتار في معتمدية حلفا في الولاية الشمالية). كما أن النجاحات الكبيرة التي حققها مشروع القمح بوزارة الزراعة الاتحادية أدت إلى إعادة توطين القمح شمال الخرطوم في ولايتي نهر النيل والشمالية بوصفهما من ناحية المناخ أكثر ملاءمة لإنتاج القمح في السودان. كما أن المشروع بإعداده للدراسات الاقتصادية التي توضح أنه من الممكن إنتاج القمح بصورة اقتصادية في السودان ساعد في تغيير بعض السياسات الاقتصادية المتعلقة بالمحصول من دعم للمدخلات، وتحديد سعر أدنى اقتصادي يُمكن الدولة من التدخل لشراء المحصول مما أدى إلى تحفيز المنتجين في التوسع في زراعته. إن الوضع العالمي للمحصول من تدن كبير في مخرونه، والكوارث المناخية التي تعرضت لها بعض الدول الكبيرة المنتجة، وظهور استخدامات أخرى في إنتاج الطاقة الحيوية في كثير من المحصولات، أدى إلى ارتفاع جنوني للأسعار فاق الـ 700 دولار للطن؛ مما شكل ضغطا اقتصاديا عظيما على الدول المستوردة للقمح من دول العالم الثالث، والسودان أحد هذه الدول؛ حيث يستورد أكثر من 70% من احتياجاته التي ارتفعت إلى أكثر من مليوني طن في العام.هذه الأوضاع العالمية والداخلية أدت إلى حراك كثيف داخلي واهتمام متعاظم من الدولة ومن مستثمرين محليين ومن الدول الشقيقة؛ باعتبار أن السودان يمتلك موارد زراعية ضخمة يمكن تسخيرها لإنتاج القمح، الذي يعد من أهم مكونات الغذاء في العالم المحيط بنا. وقد شهدت البلاد في هذا الموسم مبادرات ناجحة في إنتاج القمح بالتقانات المطلوبة وبوسائل ري حديثة غير تقليدية (الري بالرش) في ولايتي نهر النيل والشمالية.