دولية

تعبئة عسكرية غير مسبوقة.. كهريزك ثان .. قمع الملالي يلاحق المنتفضين

طهران ــ وكالات

ثمة إجراءات غير مسبوقة اتخذها نظام الملالي على وقع الانتفاضة التي اندلعت بمدن إيران قبل أسبوعين، حيث نشر النظام أكثر من 700 ألف من قواته القمعية من مليشيا الحرس و”الباسيج” وقوات خاصة تعرف بـ”نوبو”، في 90 مدينة، واستدعى مليشيات حزب الله اللبناني والمليشيات الأفغانية المعروفة بـ”لواء فاطميون”، و”الحشد الشعبي” العراقي؛ لبسط نفوذه على الشارع، حسب مصادر من داخل النظام، وشهود عيان في المنافذ الحدودية بشرق إيران وجنوب غرب البلاد على محاذاة مدينة المحمرة.

فيما اعتقلت السلطات الإيرانية أكثر من ألفي متظاهر وقادتهم إلى سجون وأماكن مجهولة، حتى إن بعض المسؤولين في حكومة حسن روحاني وأعضاء من البرلمان حذروا من وقوع “كهريزك ثانٍ”، في إشارة واضحة إلى “سجن كهريزك” سيئ السمعة في جنوب طهران، الذي شهد فترات مروعة من التعذيب واغتصاب المحتجين، خلال الانتفاضة الخضراء في عام 2009، وتحول إلى رمز الوجه المرعب للنظام؛ لتخويف الجماهير الإيرانية المنتفضة ضد “الولي الفقيه”.

وتبدو الأرقام الرسمية عن عدد المعتقلين غير واقعية، إذ تؤكد التقارير التي تأتي من داخل إيران ومن ضمنها قوائم طويلة من أسماء المعتقلين، أن عدد المعتقلين في كل أنحاء إيران يفوق بكثير الأعداد التي تعلنها جهات رسمية، وهناك نشطاء يتحدثون من داخل إيران وفق القوائم المقدمة، عن أن النظام اعتقل أكثر من 1400 محتج وزج بهم في السجون في محافظتي الأحواز ولورستان فقط.

ووسط أنباء مؤكدة عن وفاة بعض المعتقلين في السجون الإيرانية تحت تعذيب النظام، وقعت حالة انتحار في السجون الإيرانية راح ضحيتها شاب لا يتجاوز عمره 22 عاما يحمل اسم سينا قنباري في سجن إيفين، سيئ السمعة في شمال العاصمة طهران، فيما تحدثت مصادر اُخرى عن انتحار 5 أشخاص من المعتقلين في السجون الإيرانية.

وتأتي هذه التطورات قبل زيارة محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني إلى عدد من الدول الأوروبية التي تطلب توضيحات من الجانب الإيراني عن القمع الجاري في شوارع إيران والتعذيب والانتحار الذي يحدث داخل سجون الولي الفقيه، بين روايتين للأحداث، الرواية الأولى تحاول حكومة حسن روحاني تقديمها للأطراف الغربية، وهي صورة مزيفة غير حقيقية لا يقبل بها الشارع الأوروبي، حتى لو قبلها قادة بعض الدول الأوروبية، بينما الرواية الثانية هي الصورة الحقيقية لوجه الولي الفقيه، والتي ترتسم في عسكرة الشارع، وتكميم الأفواه، والتعذيب والقتل والانتحار داخل السجون.

وعلى الرغم من محاولات حسن روحاني التستر على بشاعة الرواية الثانية، فقد سبقت هذه الرواية ظريف إلى العواصم الأوروبية بمظاهرات حاشدة للإيرانيين الرافضين لحكم الملالي. حيث ندد متظاهرون إيرانيون أمام مقر الاتحاد الأوروبي ببروكسل امس الأربعاء، بجرائم التعذيب التي ارتكبها نظام الملالي بحق الآلاف من متظاهري الانتفاضة.

وكشف ناشطون عن مقتل عدد من السجناء تحت التعذيب، مطالبين المجتمع الدولي بالتحقيق في قتل المتظاهرين بالصعق الكهربائي.

وردد المتظاهرون شعارات مناوئة للحرس الثوري الإيراني، والجرائم التي ارتكبها أفراده تجاه المدنيين.

وشارك في المظاهرة أهالي سجناء شباب قتلوا على يد نظام الملالي في عقود سابقة ، بالإضافه إلى عدد من ضحايا التعذيب قبل اللجوء إلى أوروبا.

وأدان المتظاهرون محاولات نظام الملالي لضرب النسيج الاجتماعي للشعب الإيراني عبر ما يقدم عليه من سيناريوهات مظاهرات مؤيدة يٌرغم فيها الموظفين البسطاء في الهيئات الحكومية.

وأكدوا أن أعوان النظام يعدون الموظفين البسطاء في هذه المظاهرات بزيادة رواتبهم وبالحوافز في حالة التعدي على المعارضين، في استغلال واضح للظروف المادية الصعبة التي يمر بها الشعب، بعد أن وجه نظام “ولاية الفقيه” أموال الإيرانيين إلى حروب في دول مجاوره لزعزعة الاستقرار فيها، في ظل خطته التوسعية.

وردد المتظاهرون شعارات الموت لـ”خامئني”، متهمين المجتع الدولي بالتواطؤ مع النظام الإيراني بوقوفه متفرجاً.

وأشاروا إلى أن جلسة مجلس الأمن الأخيرة كانت بمثابة الضوء الأخضر لنظام الملالي لافتراس المواطنين المطالبين بأبسط حقوقهم.

وبحسب المعارضة، فإن مئات المتظاهرين المعتقلين تعرضوا لمعاملة سيئة وتعذيب، ما لم يترك أمام المرشد الإيراني علي خامنئي من حل لإخماد الحقائق التي بدأت بالتسرب مزن وراء القضبان سوى الأمر بإغلاق السجن.

وقد يعيد السيناريو نفسه بعد 7 سنوات، ومع أن مصطفى محبي تحفظ عن الإدلاء بالمزيد من التفاصيل حول الشاب المعتقل، إلا أن النائب الإصلاحي، محمود الصادقي، قال في تغريدة عبر “تويتر”، إن الشاب الذي وجد ميتا في إيفين كان “أحد المتظاهرين المعتقلين في المشاكل الأخيرة”.

وكشفت هذه التغريدة ما يحاول النظام إخفاؤه، فيما أعلنت مصادر في المعارضة مخاوفها من تعرض بعض المحتجين للتصفية داخل السجون.

بدروه اعتمد مجلس النواب الأمريكي (الكونجرس) بشبه إجماع، قرارا يدعم المظاهرات الاحتجاجية التي تشهدها مدن إيران ضد نظام الملالي.

وأكد القرار، الذي أقر بأغلبية 415 صوتا مقابل صوتين فقط، دعم الكونجرس “للشعب الإيراني المنخرط في تظاهرات مشروعة وسلمية ضد نظام قمعي وفاسد”.

فيما يدين الكونجرس بنص القرار “الانتهاكات الخطرة لحقوق الإنسان والأنشطة المزعزعة للاستقرار التي يرتكبها النظام الإيراني بحق الإيرانيين”.

ودعا النواب الأمريكيون، في قرارهم، إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى فرض عقوبات على منتهكي حقوق الإنسان في إيران

وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب إد رويس، إن الشعب الإيراني ليس المستهدف بالعقوبات، مشيرا إلى أن “العقوبات الأمريكية تستهدف النظام الإيراني القمعي والمزعزع للاستقرار وليس الشعب الإيراني”.

يذكر أن المظاهرات الإيرانية بدأت في مدينة مشهد، ثاني كبرى مدن البلاد، رافعة مطالب اقتصادية قبل أن تتحول إلى حراك شعبي ضد النظام برمته وتشهد أعمال عنف واعتداءات على متظاهرين سلميين، واشتباكات مع قوات الأمن.

فيما سلط منتدى استضافه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الضوء على الخسائر المحتلمة لوكلاء طهران في المنطقة، إثر الاحتجاجات الإيرانية، لاسيما مليشيا حزب الله في لبنان.

وبحسب حنين غدار، الباحثة اللبنانية المخضرمة، التي خاطبت المنتدى، فإن الاستياء الشعبي من الأنشطة الإقليمية للنظام الإيراني لا يقتصر على إيران، فمليشيا حزب الله، التي تقود معظم تلك الأنشطة، تواجه أيضا تحديات متنامية بالداخل.

وفي الواقع، تضيف غدار، أن علامات السخط في لبنان شبيهة جدا بعلامات الاستياء الملحوظة في إيران، مستشهدة بأن غضب اللبنانيين الشيعة من حزب الله يتزايد، بسبب انخراطه في الحرب السورية.

وفي هذه الحرب التي يساند فيها حزب الله نظام بشار الأسد، كان قتلى المليشيا أكثر من الذين سقطوا في جميع صراعاتها السابقة، طبقا للباحثة اللبنانية.

كما تشير غدار إلى أن الحرب السورية أدت إلى تآكل الوضع الاقتصادي لمناصري حزب الله، إذ تقتصر الرواتب التي يدفعها الحزب حاليا، على الجنود وعائلاتهم، ونتيجة لذلك، فإن العديد من قواته يقاتلون أساسا من أجل المال. وقلّص التنظيم، كما تفيد الباحثة اللبنانية، شبكات خدماته الاجتماعية إلى حد كبير، من أجل تمويل النشاط العسكري المتزايد، الأمر الذي يضطر معه الشباب الشيعي للمخاطرة بحياتهم، للاستفادة من موارد المليشيا. ومن شواهد هذا الاستياء، وفق غدار، الاحتجاجات التي وقعت في أكتوبر الماضي، بضاحية بيروت الجنوبية، معقل حزب الله، إذ ردد المتظاهرون شعارات مناهضة لزعيمه حسن نصر الله.

وامتد التعبير عن هذا السخط إلى الانتخابات البلدية الأخيرة، حيث صوّت 40 % من الناخبين في بعلبك، معقل المليشيا في وادي البقاع، لمرشحين مناهضين لحزب الله، طبقا للباحثة اللبنانية.

وتعتقد غدار أن الانكماش الاقتصادي الحالي في لبنان سيزداد سوء العام المقبل، ولذلك لن يكون مستغربا اندلاع المزيد من الاحتجاجات، خصوصا إذا ما ترددت أصداء الانتفاضة الإيرانية في صفوف الشيعة اللبنانيين.

فمن شأن أي دليل ضعف، تؤكد غدار، أن يدفع الناس إلى إعادة النظر في الدور المهيمن لإيران وحزب الله في المنطقة؛ ما قد يدفع بدوره القوى السياسية المحلية إلى إعادة النظر في حلولها الوسطية مع هذه المليشيا.

أما باتريك كلاوسون، مدير الأبحاث في معهد واشنطن، فقد نبّه إلى مسألتين مهمتين فيما يخص تأثير الوضع الاقتصادي على الاحتجاجات، الأولى هي تكلفة الأعمال المخلة بالاستقرار التي تمارسها إيران في الخارج.

واستدل بتقديرات مسؤولين أمريكيين قالت إن طهران تنفق حوالي 7 مليارات دولار سنويا على أنشطتها التخريبية في المنطقة، فضلا عن ملياري دولار للأنشطة الصاروخية والنووية. وصرح الأكاديمي الأمريكي أن التكاليف غير المباشرة للمغامرة الإقليمية أعلى من ذلك، حيث خصصت موازنة إيران للعام الحالي 12 مليار دولار للنفقات العسكرية، التي لن تكون هناك حاجة إلى الكثير منها إذا كان النظام أقل عدوانية.

خسائر فادحة تكبدها الاقتصاد الإيراني منذ اندلاع تظاهرات واسعة في البلاد ضد حكم الملالي، وقال خبراء إن تلك الخسائر شملت قطاعات مهمه للاقتصاد الإيراني.

ولفت تقرير لـ”بتروليوم إيكونوميست” الدولي أن صناعة الطاقة غير بعيدة عن تأثير الاضطرابات مع اتساع المظاهرات والاشتباكات في المدن والبلدات في جميع أنحاء إيران، على الرغم من أن المسؤولين هناك يزعمون حتى الآن أن قطاع الطاقة يعمل بشكل طبيعي ولم يتأثر وتصدير إنتاج النفط والغاز الطبيعي”.

وقال التقرير أن مظاهرات الغضب تلك تعكس الاستياء الشعبي العام إزاء مجموعة من القضايا أبرزها الظروف الاقتصادية الصعبة إضافة إلى الفساد على مستوى النخبة والقادة ويمثل إدانة للمؤسسة الحاكمة. ونقلت وكالة بلومبرج عن جون جيلدوف، الشريك في “كابيتال ليك”، وهي مؤسسة تحوط مقرها نيويورك، قوله إن “هناك قلقاً في السوق من الوضع في إيران. السوق الإيرانية الآن على الحافة.”

وهبطت العملة الإيرانية -الريال- إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق أمام الدولار الأمريكي، ووفقا لوكالة رويترز، وقد يدعم نظام روحاني العملة عبر إنفاق المزيد من الاحتياطات الأجنبية الإيرانية، لكن هذا من شأنه أن يحد من الاستثمار الأجنبي، وهو ما حذر منه صندوق النقد الدولي في الشهر الماضي.

ويؤكد الباحث أبو النور أن أي اضطرابات اجتماعية من هذا النوع تؤثر بشكل حتمي على قوة العملة، لذلك أظهر سعر الصرف انهيارا كبيرا في قيمة الريال مقابل الدولار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *