أرشيف صحيفة البلاد

تعاليم حورية

\" ١ \"
فكّرت يومًا بالرحيل، فحطّ حسّونٌ على يدها ونام .
وكان يكفي أن أداعب غصن داليةٍ على عجلٍ …
لتدرك أنّ كأس نبيذي امتلأت .
ويكفي أن أنام مبكّر ًا لترى منامي واضحًا،
فتطيل ليلتها لتحرسه …
ويكفي أن تجيء رسالةٌ منّي لتعرف أنّ عنواني تغيّر،
فوق قارعة السجون، وأنّ
أيّامي تحوّم حولها …وحيالها
\" ٢ \"
أمّي تعدّ أصابعي العشرين عن بعدٍ .
تمشّطني بخصلة شعرها الذهبيّ .
تبحث في ثيابي الداخليّة عن نساءٍ أجنبيّاتٍ،
وترفو جوربي المقطوع .
لم أكبر على يدها كما شئنا :
أنا وهي، افترقنا عند منحدر الرّخام …ولوّحت سحبٌ لنا،
ولماعزٍ يرث المكان .
وأنشأ المنفى لنا لغتين :
دارجةً … ليفهمها الحمام ويحفظ الذكرى،
وفصحى …كي أفسّر للظلال ظلالها !
\" ٣ \"
ما زلت حيדָا في خضمّك .
لم تقولي ما تقول الأمّ للولد المريض .
مرضت من قمر النحاس على خيام البدو .
هل تتذكرين طريق هجرتنا إلى لبنان،
حيث نسيتني ونسيت كيس الخبز \" كان الخبز قمحيדָا \".
ولم أصرخ لئلاّ أوقظ الحرّاس .
حطّتني على كتفيك رائحة الندى .
يا ظبيةً فقدت هناك كناسها وغزالها …
\" ٤ \"
لا وقت حولك للكلام العاطفيّ .
عجنت بالحبق الظهيرة كلّها .
وخبزت للسّمّاق عرف الديك .
أعرف ما يخرّب قلبك المثقوب بالطاووس
منذ طردت ثانيةً من الفردوس .
عالمنا تغيّر كلّه، فتغيّرت أصواتنا .
حتّى التحيّة بيننا وقعت كزرّ الثوب فوق الرمل،
لم تسمع صدًى .
قولي : صباح الخير !
قولي أيّ شيء لي لتمنحني الحياة دلالها .
\" ٥ \"
هي أخت هاجر .
أختها من أمّها .
تبكي مع النايات موتى لم يموتوا .
لا مقابر حول خيمتها لتعرف كيف تنفتح السماء،
ولا ترى الصحراء خلف أصابعي لترى حديقتها على وجه
السراب،
فيركض الزّمن القديم
بها إلى عبثٍ ضروريٍّ :
أبوها طار مثل الشركسيّ على حصان العرس .
أمّا أمّها فلقد أعدّت،
دون أن تبكي، لزوجة زوجها حنّاءها،
وتفحّصت خلخالها …
\" ٦ \"
لا نلتقي إلاّ وداعًا عند مفترق الحديث .
تقول لي مثلاً : تزوّج أيّة امرأة من
الغرباء، أجمل من بنات الحيّ .
لكن، لا تصدّق أيّة امرأة سواي .
ولا تصدّق ذكرياتك دائمًا .
لا تحترق لتضيء أمّك، تلك مهنتها الجميلة .
لا تحنّ إلى مواعيد الندى .
كن واقعيדָا كالسماء .
ولا تحنّ إلى عباءة جدّك السوداء،
أو رشوات جدّتك الكثيرة،
وانطلق كالمهر في الدنيا . وكن من أنت حيث تكون .
واحمل عبء قلبك وحده …
وارجع إذا اتّسعت بلادك للبلاد وغيّرت أحوالها …
\" ٧ \"
أمّي تضيء نجوم كنعان الأخيرة،
حول مرآتي،
وترمي، في قصيدتي الأخيرة، شالها !