جدة ــ وكالات
لا صوت يعلو هذه الأيام غير أصوات الحرب الكلامية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وبين فصول النزاع تمضي واشنطن في تحركاتها الفعلية لخنق النظام الإيراني وكسر شوكته، بينما تشير طهران إلى أوراق ضغط لا تملكها.
ويأتي التصاعد الكلامي بين البلدين، في الوقت الذي تتواصل فيه التحركات الأميركية بين عواصم العالم من أجل فرض عقوبات جديدة على طهران، تعد حتى الآن الخيار الأبرز بالنسبة للأميركيين، لبلوغ هدفهم.
وبدأ التهديد والوعيد بين الطرفين، الأحد، بعدما حذرت إيران الرئيس الأميركي، دونال ترامب، من عواقب ما وصفته بـ”اللعب بذيل الأسد”، لكن يبدو أن هذه العواقب لم ترعب الأميركيين.
فلم تغير تهديدات الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بأن “الحرب مع إيران ستكون أم كل الحروب” شيئا من موقف واشنطن، “بينما السلام معها هو السلام الحقيقي”، على حد وصفه.
وكعادتها لوحت طهران بأوراق ضغط لا تملكها أصلا، فأشاد مرشدها علي خامنئي بتصريحات روحاني، التي هدد فيها بإغلاق مضيق هرمز، في حال لم تتمكن إيران من تصدير نفطها عبره.
في المقابل، أوضحت الإدارة الأميركية أنها ماضية في نهج المواجهة إلى النهاية. وسريعا جاء رد ترامب على تهديدات نظيره الإيراني، قائلا: “إياك أن تهددنا مجددا، وإلا فستواجه تداعيات تشبه تلك التي واجهها قليلون قبلك في التاريخ”.
وأضاف: “الولايات المتحدة ما عادت البلد الذي يتهاون مع كلماتك المليئة بالعنف والقتل”.
وبلهجة ليست أقل حدة، حذر وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، من أن واشنطن لا تخشى “استهداف” النظام الإيراني على أعلى مستوى.
وفي نظر بومبيو فإن روحاني ووزير خارجيته مجرد واجهتين براقتين على الصعيد الدولي، لنظام الملالي الذي وصفه بـ”الخداع”.
وتابع “إيران تدار من شيء يشبه المافيا وليس حكومة، وعلى هذه المافيا أن تدفع الثمن”، مشيرا إلى ما وصفه بأنه ثراء فاحش وفساد بين زعماء إيران.
ويبدو أن الحرب الكلامية لن تهدأ، فصعدت إيران من لهجتها، وقال القائد الكبير بالحرس الثوري الإيراني، غلام برور، امس الاثنين، إن التهديدات التي وجهها ترامب لطهران تصل إلى حد “الحرب النفسية”، وإن إيران ستستمر في مقاومة أعدائها.
وأضاف: “لن نتخلى أبدا عن معتقداتنا الثورية.. سنقاوم ضغوط الأعداء.. أميركا لا ترغب في ما هو أقل من تدمير إيران.. (لكن) ترامب لا يمكنه أن يمس إيران بشيء”.
فيما اهتمت اغلب الصحف الغربية بالحرب الكلامية التي اندلعت بين الرئيس الإيراني حسن روحاني والأمريكي دونالد ترامب.
وتقول صحيفة الغارديان البريطانية في افتتاحيتها إن إدارة ترامب “ماضية بقوة نحو تحجيم إيران، ولا يتعلق الأمر بإخراجها من سوريا واليمن، ولا بإضعاف نفوذها الهائل على العراق ولبنان، بل إن كرة الثلج تتدحرج نحو استهداف النظام الإيراني في عقر داره”.
وتضيف أن طهران “رغم سيطرتها على آلة النفوذ الهائلة في أربعة بلدان عربية، ورغم تهديداتها العالية السقف، فإنها على الأغلب ستتحسب من استخدام أوراقها في سوريا أو لبنان، لأنها بذلك تعطي حجة لضربة أمريكية ـ إسرائيلية كبيرة يمكن أن تتوسع بعد ذلك”.
وتتابع “على الأسد الإيراني، بهذا المعنى، أن يخفي ذيله، وعلى آلته الدعائية أن تتوقف عن تكرار استخدام تعبير أم الحروب، وأن يعيد تجميع حساباته وتقليص اتساع جبهاته، فربما يصل إلى نتيجة أن الحفاظ على رأس الأسد أهم من الحفاظ على الذيل”.
وتحت عنوان “من أم المعارك إلى أم الحروب”، يقول فاروق يوسف في موقع “ميدل إيست أونلاين” إن التهديد بـ”أم الحروب” على لسان روحاني “يذكر بـ”أم المعارك” التي لوح بها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين حين تحدى القرارات الدولية التي نصت على وجوب انهائه لاحتلال الكويت”.
ويضيف “مثلما كانت أم المعارك بمثابة الضربة القاضية التي وجهت إلى النظام العراقي، فإن أم الحروب ستكتب السطر الأخير في حياة النظام الإيراني”.
ويرى يوسف أن تصاعد منسوب التوتر في طهران ظهر جلياً في تصريحات روحاني التي لجأ فيها إلى “تعابير من قاموس صدام حسين”.
ويقول يوسف “واضح أن الشرق الأوسط يتجه نحو شهور صعبة، وأن التوتر ينتقل من الملف السوري إلى الملف الإيراني. وواضح أيضاً أن الخيارات الإيرانية صعبة؛ إما تجرع سم العقوبات مجدداً وانتظار رحيل ترامب، وإما القبول بمفاوضات حول البرنامج النووي والدور الإقليمي معاً”.
ويضيف “الخياران صعبان للمرشد وجنرالات الحرس. أما الذهاب إلى ‘أم المعارك’ فتجربة صدام حسين لا تشجع على ارتكاب رحلة مدمرة من هذا النوع”.
فى غضون ذلك دشن آلاف الإيرانيين هاشتاق للمطالبة برحيل نظام الملالي عن حكم البلاد بسبب تورطه في أزمات عديدة أبرزها المغامرات العسكرية خارج الحدود، وقمع الاحتجاجات في الداخل، وكذلك معاداته لقيم الحرية، والديموقراطية التي يطمحون إليها.
وحمل الهاشتاق الذي جذب نشطاء ومعارضين إيرانيين بارزين، عنوان “Regime Must Go”، أو “يجب أن يرحل النظام”؛ فيما عدد المغردون المشكلات والأزمات الاقتصادية، والسياسية، والبيئية، والاجتماعية التي تواجهها إيران تحت حكم نظام ولاية الفقيه.
ويأمل الإيرانيون أن يمثل رحيل النظام انفراجة نحو حل الأزمات المعقدة، خاصة في ظل تردي الأوضاع المعيشية، وتراجع قيمة العملة المحلية إلى أدنى مستوياتها أمام الدولار الأمريكي، وسط انشغال الملالي بشن حملات قمع للمعارضين لهم، والتلويح باستخدام القوة خارجيا.
وأكد حساب إيراني يدعى “مرتضوي”، أن الإنجاز الأكبر حال اختفاء تلك الديكتاتورية الدينية، هو إيقاظ أذهان المجتمع حول أهمية الأفكار الديمقراطية والحريات الحقيقية بمساعدة الأحزاب المستقلة، وبالتأكيد، أنه بعد سنوات عديدة من رحيل الملالي، ستستمر الجهود الرامية إلى تحقيق قيم ديمقراطية حقيقية”.
ونشر حساب إيرانى آخر يدعى “سرباز وطن”، صورة من مشاركته ضمن حملة تدوين عبر العملات الورقية مؤخرا، للتنديد بسياسات نظام الملالي، مؤكدا أن هؤلاء النشطاء الذين دشنوا تلك الحملة تحت عنوان “الموت للديكتاتور” ليسوا وحدهم، وصوتهم بات مسموعا.
وشدد مغردون آخرون أن 4 عقود مضت كانت كافية لإصلاح سياسات هذا النظام لكن دون جدوى، معتبرين أن استمرار وجوده يعزز دعم تنظيمات إرهابية مثل الحشد الشعبي في العراق، وحزب الله اللبناني، وكذلك نظام بشار الأسد في سوريا.
وأشار حسابات إيرانية معارضة أن نظام الملالي يهدر حقوق العمال، والمتقاعدين، والنساء وغيرهم من الطبقات الاجتماعية الكادحة، بسبب تفشي الفساد في أركان المؤسسات العامة والخاصة، الأمر الذي رفع نسب البطالة، والتضخم، والكساد بالبلاد.
وعبر الإيرانيون المشاركون في الهاشتاق عن أمنياتهم في إقرار السلام والاستقرار إقليميا ودوليا برحيل نظام الملالي، وأيضا محاكمة المسؤولين المتورطين بجرائم ضد حقوق الإنسان، وصولا إلى التوصل إلى دولة مدنية تتماشى مع العصر الحديث.